الرئيسية / كتب وإصدارات / “بوح البراءة” / بقلم: بوسلهام عميمر

“بوح البراءة” / بقلم: بوسلهام عميمر

“إنه بوح البراءة، صوت الطفولة” كما ورد في مقدمة الديوان.

“صوت البراءة” عتبة دالة موحية، من الجمال و من العمق بمكان.

تشكل مع صورة غلافه، عبارة عن شجرة المعرفة أوراقها من كتب

مفتوحة، وأطفال في غاية السعادة وحروف أبجدية متناثرة بألوان

زاهية جميلة، تناسب سن الأطفال ومستوياتهم الدراسية. فبمجرد أن

يفكر أطفال المستوى الابتدائي (عددهم سبعة) و الإعدادي (ثلاثة) (سبعة إناث وثلاثة ذكور)

في الشعر هذا الفن التعبيري الجميل، و يقرروا خوض غماره بالكتابة فيه، إنه في حد ذاته

أنجاز عظيم، في زمن كان ظن معظمنا أن الهواتف والحواسيب قد سلبت أطفالنا إرادتهم

وأحكمت قبضتها على اهتماماتهم وسجنتهم في قفص ألعابها الإلكترونية ورسوماتها

المتحركة. فكانت التوقعات أكثر بكثير مما كان لدى مسؤولي نادي الإبداع الفني والأدبي،

الذي إليه يعود الفضل في إخراج هذا المولود الفريد ليرى النور في حلته البديعة.

أما وأن تبادر مؤسسة تعليمية، لتجمع خربشاتهم الشعرية الأولى في أضمومة، لنسمه ديوانا

لم لا؟، إنها مبادرة رائدة، تستحق كل التقدير والإجلال والإكبار. أتصور فرحة هؤلاء الأطفال

في سنهم وهم يرون أسماءهم مدونة على صفحاته، و يُنظم حفل ثقافي بهيج على شرف ما

سطرته أناملهم الرقيقة، و أكيد ستكتمل فرحتهم لما يدعون لإلقاء قصائدهم في محافل داخل

مؤسستهم وخارجها، و يحلون ضيوفا على برامج ثقافية بالإذاعات الوطنية والقنوات. بالتأكيد

سيزداد شغفهم بالشعر ونظمه ويعظم تعلقهم به.

توزعت قصائدهم الجميلة بلغتها البسيطة، بين موضوعات في مستوى براءة أعمارهم . فمن

مناجاة الإله مع قصيدة سلمى الكارح، أولى ثانوي إعدادي، تقول “الخير بعد الكسر من جود

ربنا // لن يترك الرحمان قلبك باكيا // // حين تناجيه // سيأتيك الذي ترجوه // // فلا تعجل

عليه ولو تأخر // ولا تحزن وقل يا نفس خيرا // فرحمان السماء لا يمل من دعائك // ألا

وهو القائل لمثلي ومثلك // “ادعوني أستجب لكم” تناص بديع باستحضار هذه الآية الكريمة،

وبين مدح الرسول الأكرم، أبدع الطفل عدنان الورديني السادس ابتدائي فيه، في قصيدة “أيها

الحبيب“، يقول “أنقذتنا من الجهل أيها الحبيب // أتيتنا بالقرآن خير دليل“، فيما أجادت

الطفلة دعاء بونكة، الخامس ابتدائي في قصيدتها “أماه”، نقتطع منها هذه الأسطر المفعمة

حبا و امتنانا لأمها، “أمي يا نبع الحنان // يا مصدر الأمان // يا من تسهر طول الليالي //

يا شمعة تنير ظلماتي // // فإن لفني الظلام // ففي حضنك أنام “. الطفلة سليمة أشيار

المستوى الخامس ابتدائي، بكلمات حانية تفتخر بأبيها وبصداقته لها من باب “كل فتاة بأبيها

معجبة” بقولها في قصيدة “إلى أبي العزيز“، “يا صديقي وملاذي .. يا أبي // ربيتني على

دين الإسلام // والسلام .. // يا نبع الحنان // بدونك لا معنى لحياتي // // يا من أضعه تاجا

على رأسي // أبي .. أبي العزيز // أنت الحب ..أنت النبض .. // أنت الضياء والأمان“، هذا

دون أن ينسوا شكر مدرستهم حضنهم الثاني، تفضلت عليهم بهذا الإنجاز غير المسبوق بأن

تطبع حروفهم في كتيب تشجيعا لهم على الكتابة واحتفاء بهذا الفن التعبيري الراقي، مع الطفلة

وفاء الطوسي السادس ابتدائي في “أجيال سوس”، إذ اعتبرتها أمها الثانية بقولها “أجيال

سوس // يا أمي الثانية // يا من فيها معرفتي”. قريبا من المدرسة أو في صلبها، ننزل

ضيوفا على من كاد أن يكون رسولا بتعبير أمير الشعراء أحمد شوقي، مع قصيدة جميلة

رمز التضحية” لبلال الغزال، الثانية إعدادي، يقول في بعض مقاطعها مشيدا بمعلمه، “يا

من صنع لي معروفا// ولم ينتظر مني الثناء // // يا من يزيل غيمة الجهل // ويا من يضيء

قناديل العلم والمعرفة“. وبمناسبة عيد المرأة أبت الطفلة دعاء الخوضي الخامس ابتدائي، إلا

أن تعبر بكلمات زاهيات احتفاء بها في قصيدة “المرأة“، تقول “دمت يا امرأة بأحوال طيبة//

دمت غالية بصحة وعافية // يا من تقدمت بها الأمم // لولاك لما رف لبلادي العلم // يا

امرأة .. يا لحنا أعشقه // و نشيدا دوما أنشده // اليوم عيدك ..عيد سعيد // اليوم أهديك

شعري ومشاعري“.

تيمات مختلفة تناولتها أقلام هؤلاء البراعم المتميزين. ويبقى الطفل طفلا يستهويه اللعب بكل

ألوانه، وخاصة كرة القدم معشوقة الجماهير في كل بقاع المعمور، يقول عنها سعد النبلي

الخامس ابتدائي تحت عنوان “هوايتي“، “كرة القدم يا سادة // هوايتي الجميلة // تشعرني

بالسعادة // // نلعب جماعة // ونسدد بالشجاعة // وهذه هوايتي // عبرت عنها ببساطة”.

وكانت المفاجأة السارة طبعا في هذا المنجز الأدبي الفريد، تجاوزهم للتيمات المتعارف عليها،

إلى ما يشبه التأملات، مع الطفلة هاجر القديدي المستوى الخامس ابتدائي في “السعادة“،

تتساءل “ما السعادة في الدنيا؟ // سوى حلم صعب أن يتحقق // وإن تحقق // سرعان ما

يتلاشى // السعادة // هي كالقمر المحجوب // وراء سحب المطر // حسبك من السعادة //

ضمير نقي مرتاح // وإرضاء الخالق“. و في نفس الاتجاه تذهب مروة عبو السادس ابتدائي

عن “الحياة“، تقول “إن الحياة // ليست لينة كحضن أمي // أدركنا أن // لا البدايات تبدأ كما

نتوقعها // ولا النهايات تنتهي كما نريدها // فهكذا هي الحياة“.

مبادرة نوعية نأمل أن تتلوها مبادرات مثلها لصالح ناشئتنا. إنها السبيل لإعادة الدفء إلى

علاقاتنا المتأزمة بفعل القراءة والكتابة، نحن أمة اقرأ التي لا تقرأ.


عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman