الرئيسية / قصة /           رســـــــــالة حب / بقلم: صبحة بغورة

          رســـــــــالة حب / بقلم: صبحة بغورة

        رســـــــــالة حب / بقلم: صبحة بغورة

ـــــــــــــ

عاشت الشابة ” هديل ” هادئة البال في حضن والديها تنعم برعايتهما ، مرتاحة الخاطر في الأجواء الجيدة المتوفرة لها من مأكل وملبس وتعليم.. تمتعت بالحياة الباذخة ، لكنها عاشت فراغا عاطفيا ومراهقة حادة بالرغم من كثرة المتملقات حولها، لم تكن تعرف الكثير من معاني الحياة ، اعتادت على مشاهدة الأفلام الرومانسية لما وجدت متعتها الخاصة في تلك المشاهد التي تحمل من الإثارة الحسية والجنسية الكثير، كان ينسحب خيالها نحو صور مركزة تحدد قدرتها على التخيل فتراها تنحصر داخل صور ذهنية غنية بالحركات التي تغذي شحنات عواطفها العالية .

تعرفت يوما على ذلك الفتى الوسيم الذي تمكن من التغلغل بذكائه الاجتماعي ومهاراته السلوكية وجاذبيته الشخصية وسط مجتمع الفتيات، رأته حينها هديل مميزا عن الآخرين بسمرة بشرته البرونزية وبحيويته وأدبه الجم لذلك انساقت معه بسهولة وسرعان ما رفعت الحرج بالموافقة على تواصلهما رغبة  منها في إدامة فترة استمتاعها بعالمه المليء بالمغامرات الشيقة والحكايات النادرة ، تجاوبت معه إلى عوالم بعيدة من التفاهم والمودة حتى لم يعد بمقدور أحدهما أن يمضي يوما كاملا دون أن يلتقي الآخر، وكثير ما كان يلامس يدها البيضاء الناعمة ، وبقدر قوة قبضته عليها بقدر ما كان ذلك يبعث الطمأنينة في نفسها ، لم يعد أمرهما خافيا عن المحيطين بها ، ولكنها كانت كالصماء لم تبال بعبارات التنبيه والتحذير و التخويف بل زادها ذلك إصرارا أقرب إلى العناد على التمسك به.

فصل الصيف بدأ يطرق أبوابه بقوة ،حرارة أيامه أثارت المشاعر الرهيفة وهيجت الأحاسيس البريئة  ثم حركت الفكر نحو القيام بمغامرة..  إنها مجرد رحلة إلى ذلك الشاطئ حيث تملك أسرته منزلا صغيرا يقابل زرقة السماء والبحر، تحمست للفكرة واختلقت الأسباب وانسلت صباح يوم قائظ بعدما سافر أبوها لحضور جنازة عزيز لديه في مدينة ريفية نائية وانشغلت أمها بحضور اجتماع هام لجمعيتها الثقافية ، قضت هديل في غفوة من والديها أمتع لحظات حياتها كانت أوقاتها غنية بالدلالات والإيحاءات المتبادلة، عاشت علاقة حب بكل أطوارها محمومة بدفء الأجساد والبحر ونشوة الشباب وعرفت سر الوجود من خلال أحداث دارت باللونين منحت اللقاء بعدا إنسانيا وروحا من التعايش.

كان يوم فارق في حياة هديل ظنته بداية نهايتها إن افتضح السر، وخشيت أن يكون النهاية لبداية حبها إن لم تتدارك الأمر ، مرت شهور الصمت المريب متثاقلة ولا سبيل أمامها للاتصال ولا حيلة لها لتجديد التواصل ، انعزلت في منزلها وأدمنت الانكماش في فراشها، تجنبت لقاء صديقاتها وأنكرت وجودها . كانت تظن أنها أوصلت نفسها إلى نقطة النهاية لحياتها مبكرا واعتقدت أنها تدفع الثمن من عمرها ندما . لم يكد ينتصف نهار يوم خريفي مكفهر حتى طرق ساعي البريد باب منزل “هديل ”  حاملا لها رسالة، وجدتها من سطر واحد ” لا يمكنني ردع قلمي عن كتابة حروف اسمك مثلما لا يمكنني منع قلبي من حبه لك ..” حملت لها الرسالة مزيجا من دراما الحكاية بتوابل العوالم السرية لمرحلة المراهقة إذ أخذتها إلى تلك المنطقة من الذاكرة لتسترجع أحداثا عبقت بدايتها بأريج الورود يحملها النسيم بلطف فيغشاهما ،أحداثا خاضتها بكل انفتاحها النفسي والعقلي وأصبحت مستفزة لذاكرتها ومحفزة لتخيلاتها التي صارت تتوارد سريعا على ذهنها ثم تتداعى أمام عينيها صورا متحركة كونها تنتمي للواقع الذي عاشت تفاصيله  تفقدت الرسالة مرة أخرى وقد منحتها شحنة إضافية كبيرة استفزت مجددا قوة الحياة فيها .أفاقت ذات يوم متأخرة وشوقها إليه يحرق فؤادها، أعادت قراءة الرسالة مرة ثانية وثالثة، قلبها يخبرها أن هذه الرسالة ليست مجرد كلمات جميلة وعابرة ، لقد استشفت منها طبيعة شخصيته وقابليتها للتواصل من خلال البوح الجميل ، نهضت وتأملت نفسها أمام المرآة وكأنها على موعد معه ، تحسست جسدها برؤية فنان ، يدها تمر عبر خطوط منحنية تمارس حضورها بليونة وأنوثة لافتة وبصفات دلالية معينة ، لم تنتبه إلى صوت أمها تناديها، كان ثمة طارق بالباب، إنها أم الفتى الأسمر جاءت لخطبتها إلى ابنها، كانت كلماته الرقيقة تقديم رومانسي شكل صدمة لينة  بعد غياب مهدت الأجواء للتهيئة العاطفية لتقبل وقع المفاجأة فاحتوت الرسالة حبهما.

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman