الرئيسية / آراء قكرية ونقدية /   صوت الوطنية في رواية “صحرائي في عيوني” للكاتب بوسلهام عميمر/ بقلم: يوسف المتنبي

  صوت الوطنية في رواية “صحرائي في عيوني” للكاتب بوسلهام عميمر/ بقلم: يوسف المتنبي

يوسف المتنبي

 يتميز الخطاب الروائي ، بسلطته المؤثرة وجاذبيته الخطابية والجمالية التي تجعل المتلقي يتفاعل معه ،ليس كنص مجرد ولكن كخطاب تتعدد مستوياته وقيمه ،حاملا أنساقا ظاهرة ومضمرة متعددة ،تخاطب المتلقي وتأثر في قراءته للنص وتعبر عن القضية في مجالاتها ونزاعاتها المختلفة ، وفق استراتيجية نسقية تهدف إلى إعادة إنتاج القضية المطروحة وفق المقاصد التي يصبوا إلى تحقيقها كل من النص والمؤلف ،هذا بدون أن يفقد النص الروائي لقيمته الجمالية والأدبية والتفاعلية ، وهذا ما سنحاول عرضه عبر مقاربة “رواية صحرائي في عيوني” محاولين الإجابة عن السؤال التالي ، كيف عالجت الرواية قضية الصحراء المغربية ؟

1-الحوار وتصارع الأصوات:

رواية “صحرائي في عيوني “رواية مكتوبة بأسلوب سردي سلسل ،تضم سلسلة من الأحداث التي يتم وصفها على شكل قصة.

ينفتح المتن السردي في الرواية ، على الشابة جمانة ذات السابعة عشر ربيعا ، وهي سليلة قبيلة صحراوية عريقة” والتي تثير انتباه أفراد أسرتها بدخولها من الثانوية متوترة ومهرولة صوب مكتبة دارهم،باحثة في الجناح المتعلق بتاريخ الصحراء،ليظهر فيما بعد لأبيها ،أن السبب وراء هذا التوتر ، نقاش حاد طرأ أثناء حصة التاريخ والجغرافية ،حول قضية الصحراء المغربية مما حذى بأستاذ المادة إلى توجيه هذا النقاش بتنظيم مناظرة بين الأطراف المتخالفة،” أيمانا منه بجدوى الحوار وأهميته وأنه السبيل السديد لحل أعوص المشاكل” وستتطور الأحداث وينفتح أفق الحوار إثر طرح جمانة لثلاثة أسئلة :

هل المغرب دولة استعمارية،تحتل ٩الصحراء ظلما وعدوانا ؟

هل حقا أجدادنا من أهل الصحراء لم تربطهم بالمغرب روابط؟

ومن تم يجب أن نستفتي لنقرر مصيرنا بأنفسنا ؟ ص8

بعد هذه الأسئلة ستنعقد سلسلة من النقاشات بين جمانة وأسرتها على رأسهم أبوها، ومن خلال هذه النقاشات ستستعرض الرواية جذور القضية بدأ من تاريخها إلى إقرار الحكم الذاتي .

وذلك من خلال تحاور ثلاثة أصوات رئيسية:

صوت جمانة :

الشابة التي تريد أن تعرف وتفهم ،والتي كلما انجلى ضباب القضية أمامها استغربت أو انشرحت وتفاجأت بحجم المغالطات التي تلوكها ألسنة الانفصاليين ويروجونها للشباب السذج الغافلين جاء في الرواية :

“فزادت جمانة قائلة بتأثر بالغ،سعيا منها لتضع كل البضاعة الانفصالية بين يدي أبيها حتى تكون على بينة من أمرها” فجمانة رمز وتجسيد لفئة عريضة من الشباب المستهدفين، وصوت يسعى إلى الحقيقة ، صوت جعله الكاتب داخل الرواية محرك أساسي لأحداث الرواية ، لأن هدف الكاتب هو أن يتعرف الشباب عن جذور هذه القضية بمنطق فكري سديد قوامه مقارعة الحجة بالحجة .

-صوت الأب:

إذا كانت جمانة الصوت الباحث عن الحقيقة ، فإن أب جمانة بمثابة قطب الرحى في عرض تسلسل القضية فهو الذي ” انبرى بلسان طلق يستعرض المراحل التاريخية للمنطقة ،حرفا بحرف ، رابطا ماضيها بحاضرها ومستشرفا لمستقبلها ، كما لو أنه يقرؤها في كتاب مسطور “ص14.

إنه شاهد على عصره ويعرف “خروب بلده” كما جاء في الرواية، أب جمانة صوت وطني مقاوم توارثت عائلته الحكم في المنطقة، بتفويض من سلاطين المغرب بظهائر مختومة بأختام سلطانية.

فمن خلال صوته داخل الفضاء الروائي عرض الكاتب مختلف الدلائل والوثاىق الموثقة والروايات والوقائع التاريخية المتقولة والمؤكدة على ثبوت الروابط الشرعية بين الصحراء والدولة الحاكمة، ناسفا لمزاعم الكايانات الوهمية ولشعاراتها المظلة المدعومة من أعداء الوحدة الوطنية.

صوت وطني يقدم الدروس في الديمقراطية والحرية ، محللا أوضاع الكيان المصطنع كاشفا عن تناقضات أطروحته المشروخة من خلال القمع والعنف والتسلط على أي صوت معارض وتضييق الخناق على المستضعفين ، يتساءل هذا الصوت باستنكار “أين كان هؤلاء لما كان المغرب مباشرة بعد الاستقلال ،يقدم مطالبه، خلال كل المؤتمرات واللقاءات العالمية بانسحاب اسبانيا.

هل كان سكان الصحراء الذين شاركوا في القتال ضد اسبانيا، يقومون بذلك تحت راية جبهة البوليساريو،أين كان هؤلاء في هذا الوقت المبكر؟”.ص

178

-الصوت المعارض(عم جمانة):

إن الكاتب داخل الرواية لا يعرض فقط أراء الانفصالين بضمير الغائب،بل مثل لهذا التيار بشخص عم جمانة وهو تجسيد للتيار المحاذي لتوجهات المعارضين، إنه صورة للشباب الصحراويين الذين يغرر بهم في ديار المهجر، فعم جمانة يتابع دراسته في اسبانيا حيث تتمركز الحركة الانفصالية، جاء في الرواية” لقد أدركنا فيما بعد ،انه كان يتابع حديثنا ،كلمة ،كلمة وحرفا حرفا، لقد أدركنا أن المسكين ،كان من المغرر بهم ، ممن تتصدى لهم الشرذمة الانفصالية بمجرد أن تطأ أقدامهم ،ديار المهجر”.

فصراع الأحداث وتطورها لا يستقيم إلا بتواجد أصوات مختلفة ، وذلك من أجل فتح الحوار وخلق فضاء متصارع ، يجسد بقالب روائي أحداث الواقع .

2-خطاب الصورة في الرواية:

تعد الصورة داخل الرواية مدخلا أساسيا في تدعيم متن الرواية ، فمنذ عتبة الغلاف الذي،يعرض للمتلقي صورة صحراء منبسطة تتوسطها عين بشرية ، دلالة على نسق رمزي ثقافي ينم عن قيمة الشيء التي تستقر في العين دلالة على سموها ومكانتها العزيزة والغالية.

هذا اضافة على تواجد مجموعة من الصور الأيقونية المكملة لخطاب الرواية،حيث يكفي فقط أن تتبع تسلسل الصور والرسومات فتحس بتفاعل وانغماس في أجواء النص الروائي قبل قراءته.

فالصورة داخل الرواية عنصر قوية وأساسي في انتاج معنى الإغراء والاقتاع،لما تتضمنه من معلومات ،تلخص القضية بكاملها، حيث تتضمن صور لظهائر البيعة وصور لخرائط الصحراء والمخيمات …،وكلها صور تحمل دلالات تسعى إلى خلق جو من التفاعل بين النص والمتلقي.

 

-لغة الرواية:

إن القارئ للرواية لن يعاني من فك رموز لغتها، فهي لغة سلسة في متناول جميع القراء على مختلف مراحلهم العمرية والدراسية، فالرواية عرضت بلغة مستساغة تراهن على تعميم التعريف بالقضية على أوسع نطاق ممكن، وهذا الأمر لا يتأتى إلا بتوسل لغة مفهمومة لدى عموم القراء.

كما أنها لغة تخللتها مجموعة من درر الأمثال والأشعار العربية الفصيحة ، مما خلق داخل النص ملامح بلاغة الامتاع إلى جانب بلاغة الاقناع،ومن الأمثال نجد :

إذا لم تستح فافعل ماشئت

ومن الثقافة الشعبية نجد :

خلا همو في السطل ومشى يطل

وكذلك نجد :

لساني معك ،وسيفي عليك

ما أقبح العاهرة التي تحاضر في الشرف…

وغيرها من الأمثال التي تشكل دعامة قوية في الاستدلال .

إلى جانبها نجد الشعر فالرواية غنية بالمقتبسات الشعرية العربية المتساوقة مع تيمة الرواية ،ومن هذه الأشعار :

حوارنا اليومي بالخناجر

أفكارنا أشبه بالأظافر

للشاعر نزار قباني ، تعبيرا عن حالة الحوار الحوار في العالم العربي .

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا

لدلالة على مسؤولية الشعوب المغاربية في بؤسها ووضعها الممزق …

خلاصات:

صفوت القول ،إن رواية “صحرائي في عيوني ” نسج متخيل لأحداث واقعية ، بشخصيات متخيلة ، بخطاب روائي ملتزم بقضية وطنية ، مجسدة بذلك صورة أدب ملتزم مدافع على القضايا الوطنية،بالكتابة والقلم ورصاصة الكلمة البليغة والحبكة المعبرة واللغة المشعرة.

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman