الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / قراءةٌ في دِيوانِ ( كانَ القمرُ طِفلاً ) لِلشَّاعرةِ السُّوريةِ دارين زكريَّا / بقلم: نصر مُحمَّد

قراءةٌ في دِيوانِ ( كانَ القمرُ طِفلاً ) لِلشَّاعرةِ السُّوريةِ دارين زكريَّا / بقلم: نصر مُحمَّد

#يبوحُ قلمُها أملاً وتأمُّلاً ونبضاً نحوَ الجُرح والمُضاد ، تجلسُ في أبصارنا على مهدِ كلماتِها ، فنحتسي حكايات الذاكرة و النسيان من ملامحها المُسافرة إلينا ، مُعتَّقةٌ تلكَ المعاني ، على أهداب أوراقها ، تروي الظمأَ فينا ، وتعطِّر مزهرية رغبتنا ، لنُحلِّقَ مع تواشيحها منا إليها ، يلتحفُ البوحُ أنفاسَها ،

 

#قبل أنْ أدخلَ عالَم القراءة من بابها الواسع عليَّ أن أُعرِّفَ القارئَ بالشاعرة دارين زكريَّا .

 

#داريـن زكـريـا شاعرةٌ ســوريــةٌ مُقيمةٌ في ألمانيا خريجةُ إدارة الأعمال ، أمٌّ لطفلَينِ صبيّ وبنتٍ . عضوٌ في اتحـاد الكُـتّاب السـوريّيـنَ .

 

صُدِرَ لها أربعة دواوينَ ومجموعة قصصية ، هيَ :

 

دِيـوانُ (حَيْرَةُ مَطَر) 2017- شِعرٌ – عن دار الرَّافِدَين- بيروت.

 

دِيـوانُ (وَسْــــواسٌ) – هايكو و نبضة – 2019 عن دار الدراويش – بلغاريا .

 

دِيـوانُ (كانَ القمرُ طِفلاً) 2020 عن دار تأويـل- السّويد .

 

( مجاز بيانو ) مجموعةٌ قصصيةٌ عن دار صفحات للدراسات و النشر 2022 .

 

دِيوانُ ( عينُ الحرفِ الثَّالثةُ ) دِيوانُ شِعرٍ ، هايكو ، عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع 2022 .

 

شاركتْ في مهرجان هالة زالة 2019 كولن- ألمانية ( مُلتقى الشِّعر و القصّة القصيرة).

شاركتْ في مؤتمر السُّوَيد – مالمو بداية 2020 لدعم الثورة العراقيَّة في الخارج.

 

ترجَمَتِ العديـدُ من قصائـد ديوانِها ( حيرة مطر- كانَ القمرُ طفلاً ) إلى اللغات : الفرنسية- الألمانية- الإنكليزية- الإسبانية .

تكتبُ النصوصَ و القصةَ القصيرةَ إضافةً إلى الشِّعر .

نشـرَتِ العديـدَ من القصائد في مجلَّات و صحف عربيـة متنوِّعـة منها ( جريدة القدس العربي اللندنية ، مجلَّة كلِّ العرب – فرنسا ، جريدة الزوراء – العراق ، جريدة العراقية – سيدني …و غيرها.

#كانَ القمرُ طفلاً ، صِدِرَ عن دار تأويل للنشر والترجمة عام 2019 ، لوحة الغلاف للفنَّان والنحَّات السوري بشار برازي ، يحتوي بين دفتيه (48) قصيدةً على امتداد (117) صفحة من القطعِ الوسطِ .

 

تستهلُّ الشاعرةُ دارينُ ديوانَها (كانَ القمرُ طفلاً) بهذا الإهداء :

 

إلى طفلتي إيلين …

أعتذر من عينيكِ السوداوين ؛ لأني كلَّما حاولتُ أن أجمَعَ لغةَ الليل بهما فشلتُ .

أعتذرُ من فمكِ الذي خانتْهُ كِفاية حليبي ، وسأبقى أعوِّضُكِ بما أستطيع من بياضِ حبِّ كلِّ الأمَّهات .

 

إلى طفلي حمزةَ …

لَطالما جمعَ العالمُ كل حَنانه في يديكَ الصغيرتين وقُبلاتكَ المتوالية كشموس تتوالدُ ، فتسنَّى لأمِّكَ أن تتعرَّفَ على معناهُ .

أعتذرُ من روحكَ التي حملتْها الكثيرُ من مورِّثات العند والطيبة اللتين أتمنى ألَّا تخونا ذكاءَكَ المُتَّقِدَ .

أحِبُّكما حدَّ اللَّاحدِّ يا دُنيايَ .

 

إلى طفولتي التي كلَّما حاولتُ أن أتذكَّرَ ملامحَها صفعتْني ، هذه أنتِ الكبيرة ، أتمنى ألَّا أكونَ قد خذلتُ لسانِكِ المتفلسفَ يا حبيبتي .

 

أصررتُ أن أوردَ الإهداءَ على نحوٍ كاملٍ ؛ لأنهُ يكادُ أن يكونَ العتبةَ الثانوية الأكثرَ إضاءةً لعالَم نصوص المجموعة ، من ذكريات وتداعيات الطفولة ، أحلام ، وجع ، حنين ، حُبٍّ

تقولُ الشاعرةُ في مقطع من قصيدة الناقصة :

 

طُفولتي التي لم أعشْها

لديها الجزءُ الأكبرُ

عِفته للتناسي

كلَّما طرقَ بابي

أجبتُهُ : لستُ هُنا …!

 

#ديوانُ كانَ القمرُ طِفلاً يحملُ صُوراً تتنفَّسُ بالحنين والشجن ، صُوراً متَّقدةً بالخيال الشاعري ، و الثراءِ و التشبيهات ، و العاطفة الصادقة الجيَّاشة ، تقولُ في قصيدة (أسكنُكَ هُنيهةً) :

 

ذلكَ الحنينُ في

حنايايَ حنَّ

تندلقُ روحي

في أنَّاتكَ

دُفعةً واحدةً

أسكنُكَ هُنيهةً

تساوي عمراً

 

وآلمني منكَ

على عجل

كمجنون غدرَ

به الماءُ يوماً

ويخشى البللَ

 

أخافُ أن بكَ أبقى

وأخافُ لو ما كنتك

بنا ..نشقى

 

#تعتبرُ قصيدتُها النثرية أجملَ من الحب ، غير مقيد ، شِعرها

متحرِّرٌ من الوزن والقافية ، جملُها منسَّقةٌ تنسيقاً أخَّاذاً ، له طابعٌ خاصٌّ وموسيقا مرافقة تزخرفُ إيقاعها ، فتقولُ في قصيدة غيمة موسيقية :

 

الموسيقى

هي غيمةٌ أرضية

غيثُها عطرٌ وَجَّهَتْها

الأرواحُ المؤمنة باللازمن

 

الموسيقى فُسحة فراغٍ

تبحثُ عمَّن يملؤُها

ويمتلئ بكُنهها الشفَّاف

 

هي انعتاقٌ من حدود الأنا

الانفصالُ عن سطوة الجسد

التبرُّؤُ من حِنكة الوعي

في فرد المسموح وضدِّه .. إلخ

 

#في قصائد كانَ القمرُ طِفلاً تتداخلُ الأصواتُ بالألوان ، لتكوِّنَ محتوى جمالياً فريداً ، تقول الشاعرة في قصيدة قميص النهار :

 

كنتُ أريدُ

أنْ أختارَ لكَ قميصاً

غسله النهارُ بماء عينيه

حينَ وداعٍ مُفاجئ

لغلاوة شفق وحيدٍ

فغدا أبيضَ كفكرة ضوءٍ

 

لكنْ هُناكَ لوحةٌ قاطعتْني

بدعوة غريبة

شدَّتْ يدي على عجلٍ

كأنَّها عاشقةٌ تتهيأ

للكثير من معسول القُبَلِ

 

#تركِّزُ الشاعرةُ دارين زكريَّا على الإيقاع الداخلي للقصائد من خلال استخدامها للجُمل الشعرية النابضة بالحركة أحياناً ، والغارقةِ بالسكون أحياناً أخرى .

تقول في قصيدة وجع الرجم :

 

دعني أضُج بكَ قليلاً

يا ويحَ قلبي

وكيف يرضي بغير

الثريا بديلاً ؟

دعني و إني عنكَ ننم

نقولُ : لعله الصرخةُ

الأولى لولادة النجم

 

نقولُ : كانَ لنا منه

ما يشبه وجعَ الرجم

 

نقولُ : شبَّه لنا بأنه

الصوتُ والصدى

إن صِحنا يا وطنُ

نقولُ ونعيدُ ..

يا ويحَنا… ما كنا نقولُ

بل كنا نظنُّ

لا ما كنا نظنُّ

بل كانتْ شِفاهُ الليثِ

من حسرتها علينا تَئِنُّ .

 

#ونجدُ أيضاً قصيدةً عن الأبِ الغائب ، وذِكراه المُتأجِّجةِ ، في نصٍّ مؤثِّر جدَّاً ، فتقول :

 

أنا لم أنمْ يا أبي

ما زلتُ أنتظركَ هناكَ

على حافَّة الجُملةِ

 

الجملةِ التي تغاوتْ

بسطوعها على كلِّ

ما مرَّ ببالي من حِكمة

 

قلتَ لي بعينين تحملانِ

الحزنَ والأسف بثقل :

( أنا زعلتُ لأنهم غلبوكِ )

 

ومن حينها

وأنا أفصفصُ كلَّ خسارةٍ

كأنها قطعةُ دجاج مسموم

ألوكُها في فمي مِراراً

ليدومَ طعمُ العَلقَمِ

في جوفي عمراً

عمر مرار

كثيراً ما لسعَ

لسانَ عفويَّتي

وعلَّمَ فمي الابتسامَ

بدلَ التعثُّر بحُرقة دمعةٍ

شدَّ أذنَ طِيبتي

المُتسرِّعة الخُطى

 

قائلاً : الصبرُ طيِّبٌ … إلخ

 

#على الغِلاف الخلفي تقتبسُ الشاعرة قصيدة من قصائد الديوان ، تقولُ فيها :

 

كلهُنَّ جِنِّيَّاتٌ

أنا الشيطانةُ الوحيدةُ في رأسكَ

 

نبيٌّ أنتَ

أطعنُكَ حينَ عليهنَّ بسملتَ

أما أنا

فالنورُ وابنةُ النار

أوسوس لكَ :

النورُ هِدايةٌ

 

يتبعُني قلبكَ مُغمضَ العينين

ويحاولُ عقلكَ فتحَهما ضالاً

يجننُ الخُسران جِنِّيَّاتكَ داخِلكَ

فيحلقنَ حولي كالهُنودِ الحُمرِ

ليصيِّرنَني بمكائدهنَّ هابية

لكنْ …!

لا يزيدني عُوائهنَّ

إلا توهُّجاً

لم يعرفنَ أن الوحيَ تملَّكَكَ

وأصبحتَ طائعَ صوتي

مُردِّداً

… النورُ هِدايةٌ …

 

#في الخِتام :

 

#وهكذا ، بعدَ هذه الرحلة بينَ سمفونية الحُروف التي عكسَتْها ( كانَ القمرُ طِفلاً ) يمكنُنا القولُ : إنَّ قصائد الشاعرة دارين زكريا امتازتْ ببوح صادقٍ ينزفُ ألماُ وشجناً أحياناً وحنيناً ، ويرقصُ طرباً أحياناً أخرى ، وفي كِلا الحالتين تغدقُ الحُروفُ بالمشاعر المتوهِّجة نحوَ العُمق والتقصِّي.


عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman