الرئيسية / خواطر ونصوص شعرية / كيف ماتت؟ / بقلم: آمنة بريري

كيف ماتت؟ / بقلم: آمنة بريري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كيف ماتت؟ / بقلم: آمنة بريري

……………………

قالت لي صديقتي عندما علمت بموت قريبة لي:

ـ لقد ذُهلت عندما سمعت الخبر، فقد كنت أعرفها في صحّة جيّدة، ثمّ إنّها لم تبلغ الستّين بعدُ. فكيف ماتت؟

فلمّا أخبرتها أنّها أصيبت بارتفاع مفاجئ في ضغط الدم أدّى إلى وفاتها قالت:

ـ لا بدّ أنّها لم تكن مواظبة على دوائها. فمرض ارتفاع ضغط الدم يمكن السيطرة عليه بالمواظبة على الدواء.

لقد اندهشت من طريقة تفكير صديقتي، فهل هي تعتقد

أنّه كان يمكن لحياة قريبتي أن تتواصل ولعمرها أن يطول لو أنّها كانت أكثر مواظبة على دوائها؟

ومثل هذه الأفكار شائعة بين عدد من الناس، وقد قالت لي صديقة أخرى في مرّة من المرّات أنّها أوشكت على الموت بسبب أزمة قلبيّة أصابتها. وقالت لي بتأكيد:

ـ لو تأخّرت عن الوقت الذي وصلت فيه إلى المستشفى بعض الدقائق لفارقت الحياة وأصبحت في عداد الأموات.

فيا له من أمر غريب أن تظنّ هذه الصديقة أنّ فترة امتداد حياتها محكومة بالصدف. فإن وأتتها صدفة حسنة عاشت وإن لم تواتها ماتت.

كأنّ هؤلاء الناس لا يعلمون أنّ لكلّ أجل كتاب وأنّ موعد دخول كلّ إنسان إلى الدنيا وخروجه منها هو أمر قد ضبطه الخالق منذ الأزل، فلا تغيير فيه ولا تحوير إلّا في بعض الحالات الاستثنائيّة التي تتمّ بإذنه كأن يطيل الله عمره لما قدّم من أفعال خيّرة مثل صلة الرحم والصدقة. فلا المرض هو الذي يقتل ولا الطبيب هو الذي يحيي، فإذا كان في العمر بقيّة فلن يضرّك شيء وإذا كان الأجل قد حان فلا تنفع رقية أو وصفة طبّية.

وفي نفس هذا الموضوع يتصادف أن تسمع أقوالا غريبة عند الإعلان عن خبر موت أحدهم كأن يقول بعض الناس:

ـ المسكين ..لقد خسر حياته. إنّي أرثي له حقّا…

أو يقول آخر:

ـ أنا حزين لأنّ الموت أصابه، لقد رحل باكرا ورُزئ في عمره قبل الأوان.

ووجه الغرابة هنا أن يعتبر هؤلاء الناس الموت مصيبة حلّت بالميّت وفاجعة أصابته بضرّ أو سوء بينما الحقيقة أنّ الموت لا يعتبر مصيبة إلّا بالنسبة لأهل الميّت وأحبابه لأنّهم هم الذين سيكابدون مرارة غيابه ولوعة رحيله عنهم. أمّا الميّت في حدّ ذاته فلا يجوز أن نرثي له لفراقه الحياة لأنّ الموت حقّ والميّت إذا كان من المحسنين أو من أهل اليمين فهو مقبل على وجود أفضل وأجمل من وجوده في الدنيا لقوله تعالى: ولئن قُتلتم في سبيل الله أو متّم لمغفرةٌ من الله ورحمةٌ خير ممّا يجمعون (آل عمران ـ 157).  أمّا إن كان من الظالمين فهو مقبل على ما قدّمه لنفسه وعلى ما هو مستحقّ له بما أسلف في الحياة الدنيا والله لن يظلمه مقدار ذرّة. لذلك لا وجه للرثاء على من توفّاه الأجل المحتوم وفارق الدنيا لأنّ ذاك حدث طبيعيّ مثله مثل الولادة وهو طريق الناس أجمعين وهو الباب الذي يفتح على الوجود الفعليّ ومنه سنخرج من حياة الوهم الفانية إلى الحيوان وهو العيش الحقيقيّ الذي خُلقنا لأجله.

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أمة العرب والأمم المتحدة / بقلم: خالد السلامي

يعتبر العرب وخصوصا العراق ومصر وسوريا والسعودية ولبنان من اوائل المشاركين في ...

من عمق المجتمع، جداريات بجمالية داهشة للقاصة زلفى أشهبون/ بقلم: بوسلهام عميمر

                        ...

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

واحة الفكر Mêrga raman