الرئيسية / صحة وعلوم / من رسائلِ الحياةِ اليوميَّةِ البابِلِيَّة – 14 – ابنٌ يقدِّمُ طلبًا إلى والدِهِ، ويُلِحّ/  بقلم: عبد يونس لافي

من رسائلِ الحياةِ اليوميَّةِ البابِلِيَّة – 14 – ابنٌ يقدِّمُ طلبًا إلى والدِهِ، ويُلِحّ/  بقلم: عبد يونس لافي

رسالةٌ عراقية، من رسائلِ الحياةِ اليوميَّةِ البابِلِيَّة – 14

ابنٌ يقدِّمُ طلبًا إلى والدِهِ، ويُلِحّ

 بقلم: عبد يونس لافي

ــــــــــــــــ

نحنُ مع رسالةٍ أخرى من الرَّسائلِ البابليَّة.

هي رسالةُ ابنٍ يبدو أنَّه في مراهقتِهِ،

فتراهُ يُلِحُّ على أبيهِ في طلبٍ،

أرادهُ عنصرَ تباهٍ بين صحبِه،

وباعثَ بهجةٍ في نفسه.

 

إنه يطلب من أبيهِ،

أن يُرسل له سلسلةً تكون مليئةً بالخَرَزِ، مهما كلفت،

وأن يُخفيها عن الجميع،

حتى على الرَّسولِ، ناقلِ الطلب.

كل ذلك ربما ليفاجئَ الآخرين من حولِه …

انها المراهقة!

 

 

تبدأ الرسالةُ كالعادةِ بالدُّعاء فتقول:

 

 

أبلغْ أوزالوم   (Uzâlum)،

أنَّ ابْنَك أداد-أبوم  (Adad-abum)،

يُرسِلُ الرسالةَ التالية:

 

أتمنى أن يُبقيك الإلهانِ شَمَش   amaš1)  ووير  (Wēr2)

في صحةٍ جيدةٍ على الدوام.

 

 

لم أكتبْ لك من قبلُ طالبًا منك شيئًا ثمينًا أردْتُه،

لكنَّك إذا كنت تريد أن تكونَ أبًا لي،

فاحْصلْ لي على سلسلةٍ مليئةٍ بالخَرَزِ،

تُرْتَدى حول الرأس.

 

 

اختُمْها بالختمِ الخاصِّ بك،

وأعْطِها لحاملِ لوحِ  رسالتي هذه،

لكي يتمكَّنَ من جلبها إليّ.

 

 

إذا لم تكن لديك هذه السلسلةُ حاضرَةً،

فابْحث عنها حيثما تجدُها،

فأنا راغبٌ جدًّا،

في الحصولِ عليها.

 

 

لا تبخلْ بها عليَّ،

وأرِني انك فعلًا تُحِبُني،

كما يفعل الأبُ الحق.

 

 

لك أن تُحدِّدَ سعرَها،

اكتبْه على لوحٍ وأرسلْه لي.

لا تدعِ الشابَّ القادمَ إليك يراها،

ضعها في مظروفٍ،

واخْتُمْها ثم اعطها له.

اكرِّرُ يجب ألّا يراها حاملُ الرسالة.

 

 

سلسلةٌ تُلبس حول الرأسِ، تكون مليئةً بالخَرَزِ،

ينبغي ان تكون جميلة،

فإن لم تكن كذلك،

سوف أعيدها اليك!

 

 

ارجو ان تُرسلَ لي ايضًا،

العباءةَ التي كلَّمْتُكَ حولها.

 

انتهت الرسالة.

 

ملاحظة، من خلال قراءتي لبعضِ رسائلِ القوم،

من أكَدِيّين وآشوريّين وبابليّين،

خلصتُ الى أنَّ من لا يعرفُ القراءةَ والكتابةَ فيهم،

يلجأ الى أولئك الذين أتيحت لهم فرصةُ تعلُّمِهِما،

وامْتهنوا تدوينَ الوثائقِ وتحريرَ الرَّسائل.

 

 

يظهر ذلك جَلِيًّا من تفحُّصِ بداياتِ الرَّسائل،

حيث هناك عنصران، هما كاتب وقارئ،

بالإضافة إلى عنصرَيْن آخرَيْن،

هما مُرسِلٌ ومُرسَلٌ اليه.

 

 

هذا لايعني أني أذكر هذا اتتقاصًا من الأجداد الأوائل،

بناة الحضارة البشرية،

لكنها ملاحظةُ باحثٍ أقحمَ نفسَه في مثل هذا اخْتيارًا وإعجابا،

وإن كان في وادٍ آخرَ من ميادين المعرفة،

على ألّا نغفلَ حقيقةَ أنَّ الكتابةَ كانت في بداياتها،

ومرت بمراحل تطور كأيِّ مظهرٍ حضاريٍّ آخر.

 

 

يٌخَيَّل إليَّ ايضًا،

أنَّ هؤلاء الكُتّابَ،

يحاولون ألّا يغيِّروا ما يُمْلى عليهم،

حتى اذا كانت الرسائل تنطوي على ضَعفٍ في انشاءٍ، أو كثرةِ تكرار،

وكأنهم يريدون ان يكونوا قريبين من المرسل والمتلقي،

في نقل المطلوب وتحقيق الغاية المُتَغاة.

 

 

أخيرا دعني أهمس في أذن قارئي الكريم،

أنّي كنت، دون علمٍ، أحذو حَذْوَ هؤلاء، في تفادي التحوير،

حينما كنت أُكَلَّفُ بتحريرِ رسائلَ لبسطاءَ من الناس،

مرسِلين ومستقبلين، قبل عشرات السنين،

ولا اشك ان الكثيرَ من الأقران قد مارس هذا، سلامٌ ودُعاء.

 

1 شَمَش   (Šamaš1)هو آلهةُ الشمسِ الذي يجلب الضوءَ والدِّفْءَ للارض.

2  وير    (Wēr) إله المناخ كان يعبد في مناطق من بلاد ما بين النهرين (العراق) وسوريا القديمة.

             يذكرأنَّه ورد تحت اسماء اخرى مثل (Mer)  أو (Ber) أو (Iluwer ).

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman