الرئيسية / مقالات / من وحي رواية ” غرباء في الليل” / مسلسل الندم/ بقلم: منى بعزاوي

من وحي رواية ” غرباء في الليل” / مسلسل الندم/ بقلم: منى بعزاوي

من وحي رواية ” غرباء في الليل” / مسلسل الندم

بقلم: منى بعزاوي

ــــــــــــــــــــــــ

 

تلقيت رسالة خاصّة من أحد الأصدقاء يدعوني فيها إلى متابعة المسلسل الدرامي السوري ” الندم” للمخرج الليث حجو، تأليف الكاتب حسن سامي يوسف صاحب رواية “غرباء في الليل” التي تتجلى أحداثها في هذا العمل الفني المتميز.

لبيت الطلب ظنا منّي أنّ الأمل كامن في تجاوز ثقافة الندم ودلالته العميقة أو ما شابه، لكن وجعي تضاعف ودموعي ازدادت فيضانا جراء أحداث هذا المسلسل المقتبس من رواية ” غرباء في الليل” وهي أحداث تعكس واقع المجتمعات العربية برمتها على اختلاف ثقافاتها وتاريخها. لم أكترث لحزني الدفين ولا لحياتي البسيطة، بل صرت أتخبط في مكاني كتلك الذات المذبوحة من الوريد إلى الوريد، ليس من الهين على المرء أن يصبح كاتبا أو شاعرا، وليس على الذات الإنسانية بصفتها تتصّف بالإنسانية أن تعيش كل ويلات الدمار والحروب والخراب والألم بتلك القسوة وبذلك العبث، قد نندم على الحياة وعلى تجاربها، وقد نندم على وحدتنا وعزلتنا لمفارقتها، وقد نندم لمجرد التفكير أو حتى الكتابة عن هكذا واقع مرير. من السهل على المرء أن يتجاوز الأحداث وأن يتجاوز ذاته إذا أحس أنها بلا فائدة، بلا بصمة في الوجود لكن من الصعب أيضا أن يراهن على المستقبل أو حتى على جمالية الحاضر، فكل شيء جميل قد ينقلب في لحظة من لحظات الزمن، لحظة يعلنها القدر غير مكترث لوجود الذات ومكترث لوجود الله سبحانه في الوجود. لسنا ضعفاء جدا إلى حدّ اليأس ولسنا أقوياء جدا إلى حدّ التسلّط.

الفنان السوري محمود نصر أحد أبطال مسلسل الندم

نحن عابرون، راحلون في آخر هذه الرحلة الدنيوية، لكن بصمتنا في تاريخ الحياة باقية ومسجّلة، فالندم مهما كانت تجلياته لن يُمحى من ذاكرتنا العبثية في الوجود، ذاكرة تمتص منك كل ما هو سيء فتسجله، وتتجاهل الجميل فتلعنه، ما ذنب المرء إذا أحب أو حتى عشق، وما ذنب الذات إذا كانت تتصرف بصدق تجاه مشاعرها وتجاه حياتها الوجودية. نحن نعلم أنّ ذواتنا ليست ذات صفات أفلاطونية مثالية، كما نعلم أن الله منحنا الحياة لنعيشها ببساطة، والأهم أن نشعر بها ونعيشها بصدق…لكن الحياة تحاسبك على الفعل الجميل قبل السيء، وتحاسبك على الأمل قبل الألم، وتغوص بك في أعماق التصحّر قبل الارتواء، وتدفنك في الصحراء القاحلة قبل أن ترزقك الغيث النافع. ما الذنب الذي ارتكبه المسلم حتى يعيش خاضعا تحت وطأة المستعمرين الظالمين؟ ما الذنب الذي ارتكبته الشعوب حتى تتجرّد من إنسانيتها إلى هذا الحد؟ إلى متى سنعيش في ذل طاحن، نتصارع من أجل نيل أبسط حقوقنا. ؟؟ لم يعد لنا الحق في العيش الكريم، ولم يعد لنا أمل في العيش، ولم يعد لنا رغيف خبز بكرامة، لم يعد لنا سوى الصمت الصامت… صرنا لا نأبه لشيء، لا نطمح لشيء، سرقوا منّا كل شيء حتى الابتسامة… من هنا شرعنا في الندم على أفعالنا مع أننا لم نقدم صورة راقية جدا بالمعنى الدلالي للكلمة، و صرنا نكره كل شيء مع أننا لم نصل إلى مرتبة الحب أو العشق الحقيقي، وصرنا نحاسب أنفسنا داخل ركن من أركان الحياة و نحن لم نعرف بعد معنى الحياة… هكذا نحن، نتجول هنا و هناك عابرين بلا صفات و لا أفعال تذكر، يحركنا آخرون فاعلون عن بعد كالدمى المتحركة، فنحدث ضجيجا و هي في الأغلب ثرثرة، نحدث بعض الأصوات العابرة التي تشبه الصراخ لكنه صراخ عقيم دون فائدة، نأكل و نشرب و في الأخير لا ننطق بالحمد لله بل ننطق بالجوع و بعبارات البؤس، نترحّل بين متاهات الزمن نبحث عن الوقت، عن السعادة، عن الرقص واللهو  لكن دون جدوى لأننا فهمنا الحياة على غير حقيقتها، على غير دلالتها، نركع للإنسان بدل الخالق، نجوب في آفاق هي منشودة فلا نحقق مبتغانا، نطوف بالأرض لا بالسماء فلا عشقتنا الأرض و لا طلبتنا السماء… نحن نطوف بدوامة الوجود العبثي غير الممنهج… تائهون في هاته الرحلة، عابرون عنها، قابعون في مكان مفتوح لكنه مغلق و محدود، نفكر بالعقل فنصطدم بالمحدود، نثور و نتمرد فيطعننا الزمن، فماذا نحن فاعلون!!؟

أكتب هاته الحروف والكلمات و الجمل و نفسي تتوق إلى وصل برزخ الأرواح، هناك حيث السكينة الأبديّة، الخالية من الزيف، من الطعنات، من النفاق، من البيع والشراء و التجارة بالإنسان، بالوطنية، بالإنسانية، بكل شيء جميل… قد تكون كلماتي مشحونة بالضعف و الوهن لكنها ناطقة بواقع التقطته بعدسات ثاقبة في هذا الزمن التعيس… شعرت كثيرا من الأحيان بالندم دون أن أذنب في حق أي أحد ولعني أذنبت فعلا في حق ذاتي كثيرا … إنّي على يقين أنّ الشعور بالندم ينضوي تحت أسس محاسبة الذات على أفعالها و على تصرفاتها… هذا الشعور كامن عند كل إنسان لا سيّما ذلك الإنسان الذي يتعرض في كل لحظة إلى الغدر، إلى الخيانة، إلى الطعن، إلى الشتم، إلى الرذيلة… فمتى نشتم رائحة الفضيلة في ظل هذا الوجود؟

شكرا للأستاذين أحمد جابر وسفيان الخلفي على هذه الرسالة التي تعلمت منها الكثير وألف شكر للكاتب حسن سامي يوسف الذي جعلنا نفكر بعمق في دلالة الحياة المترحلة بين ثنائية الألم والأمل وبين ثنائية ممارسة التصّرف بوعي قبل تقبّل عزاء الندم، وعدم ممارسة الرذيلة في خفاء حتى نتقبّل جزاء الفعل.

قد نلتقي في عالم أجمل

وننتقل من مرحلة غرباء في الليل إلى غرباء في وضح النهار.

 

الكاتبة منى بعزاوي  من الجمهورية التونسية بتاريخ ٢٧ جانفي ٢٠٢١

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أمة العرب والأمم المتحدة / بقلم: خالد السلامي

يعتبر العرب وخصوصا العراق ومصر وسوريا والسعودية ولبنان من اوائل المشاركين في ...

من عمق المجتمع، جداريات بجمالية داهشة للقاصة زلفى أشهبون/ بقلم: بوسلهام عميمر

                        ...

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

واحة الفكر Mêrga raman