الرئيسية / مقالات / الإيجو الغاشِم/ بقلم: د. نُسيبة عطاء الله

الإيجو الغاشِم/ بقلم: د. نُسيبة عطاء الله

الإيجو الغاشِم/ بقلم: د. نُسيبة عطاء الله

ــــــــــــــ

الطّريقان اللّذان تقف النّفس في منطلقِهما واختيار أحدهما هو نتاج رحلة “رحلة جسد ورحلة روح”:

 

طريق الإيجو، طريق النّفس السّامية.

 

“وألهمَها فجورَها وتقواها”، من هنا بدأت حكاية الإنسان الذي خُلِقَ حامِلًا لوسائل الطّريقين معا، ولأنّه لا وجود لطريق بينهما، فإنّ الصّراع لا بدّ أن ينتهي إلى أحدهما.

 

وسبق الفجورُ التّقوى، لأنّ الإنسانَ سيوجدُ في الأرض، مخلوقا مجسّدًا سرعان ما سيعي اتّصالَه بمكوّناتها الحسّية، وسيكتشف أنّه لا بدّ له من أن يغذّي جسمه ليبقى حيّا، وأنّه لا بدّ له من أن يمتلك القوّة والحيلة ليسلَم، وأن يجني المالَ ليتمتّع..

الغرق في البحث عمّا يصنع له الأمان قد يأخذ من جانبٍ ويَصُبُّ في آخر، الخيرُ الذي يصبُّ في الأعلى متمثّلا في القيم التي كلّ شيء في الكون مسخّرٌ لإعلائها، والشّر الذي يصبُّ في الأسفل متمثّلا في شهوة الامتلاك والكثرة على حساب القيمة.

 

من أنت؟

 

هنالك الكثير من المواقف التي ستصنعك قبل أن تصبح إنسانا عاقلا وقادرا على فَرزِها وتصنيفِها وتوجيهِها، تلك المواقف التي جئت إلى مصيرِكَ تحمِلُها من طفولتِكَ الأولى وقد تجعلُ منك كائنا هشّا تهزُّكَ التّحولات وتجعل منك امتحاناتٌ عسيرة كالتّعرض للظّلم، شخصا آخر متعدّد الأوجه وتائها عن وجهه الحقيقي أو لا يملك وجها.

 

تلك المواقف أيضا التي قد تجعل منكَ كائنا مَرِنا قابلا للتّجاوز والإصلاح دوما وليس صلبا قابلا للانكسار، ويجعل منك تعرّضك للمآسي شخصا حكيما، يأخذ من التّجربة العِبرة ويخرج من الشّدة منيرا، خيّرا، وقويّا، وإنسانا حقيقيّا.

الآن لنفترض أنّكَ الأوّل، حتما سيكبُرُ فيكَ أسدُ الإيجو الشّرس، وسيجعلُكَ عبدًا وخادِما له “للنّفس السُّفلى” المُلهمَة بالفجور، الظّلم، الانتقام، الأنانية، الغيرة، الحسد، الكِبر، إرضاء الغريزة، الرّكض خلف الحاجة لتصنع سعادة زائفة وصورة تُعزّز من غرورِك لأنّك محطّ إعجاب الآخرين، وتملك ما هو في نظرهم قيمة.

 

وكلّ صفة من تلك الصّفات تلك صفاتٍ أخرى، لأنّ انعدامَ القناعَة يُولِّدُ الوصولَ إلى المزيد من كلّ ما تطلبه النّفس، حتّى يصبحَ الجريُ خلف الغاية يتطلّب تبريرَ الوسيلة، فيموت الضّمير، سيصبح أثناء ذلك إلقاء اللّوم على الدّنيا سهلا، لأنّها ستبدو مخيفة وصعبة دون امتلاك ما صوّرته لك النّفس أنّه ضروريّ لها.

سيصبح أثناء ذلك مستحيلا عليك إيجادُ روحِك، أو الاستماع إلى صوتِ قلبِك وضميرِك، فلا تراعي اللّه في شيء، ولن تخشاه في تصرّفاتِك لأنّ أسدَك الغاشمُ سيوهمك بأنَّك قويّ ولديك الوقت الكافي لتفعل ما تشاء “بتعدّيك على حدود الله”، وعندما ستشبع “فإنّ الله غفور رحيم”، ناسيا أنّ اللهَ مُسيِّرُكَ فيما اخترتَ وإذا لم يكن قد بقيَ في قلبكَ نقطة صفاءٍ تنبّهُكَ له فلن يُلفِتَكَ إليه.

 

لو أنّك فقط تراعي لحظات الصّمت وتسمح لروحك أن تسافر فيها مستسلما، لأخبرتك بأنّ أخطر شهوة وُلِدَ الإنسانُ لينتصر عليها، هي شهوةُ النّجاح.. تساءل لماذا؟ وأصغِ…

سترى كلّ الذين دعستَ عليهم ليصفّق لكَ آخرون أنت لا تعني لهم شيئا، بل صخبُك المؤقّت هو ما يعنيهم “قليلا” سترى فطرتَك وأنت تبتعد عنها وتتشوّه تدريجيا، سترى وجهك الحقيقيّ وقد ابتعدتَ عنه كثيرا، سترى حجم ما خسرتَه فقط لأنّك كنتَ مغرورا وسحبكَ الشّيطانُ إلى صفّه عن طريق بثّ وسوساته فيك، الوسوسات تصبح فكرة تظنّها حدسا أو إلهاما.. هو أذكى من أن يقف أمامك، إنّه تماما يختلط بك ويضيّعك، فهل ستكون تابعا لوهم الفوز بكلّ ما يمليه عليك في أناك السّفلى، أم أنّك ستخلع أقنعتَه المظلمة وتربح وحدكَ النّور؟

 

إنّه الوقت المناسب لتنحرف نحو الطّريق الصّحيح، بوصلتُكَ كلّ شيء تستصعبُه نفسُكَ وتكرهُه.

 

المصدر: موقع جوَّك

https://jawak.com/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%AC%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B4-%D9%85-14862?fbclid=IwAR35YhiOFriYLE_92BDo_e5OawqpPTPcmxhaVjmtSf-gmdJkq5bY-LfCuPc

 

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman