الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / الجيغولو (دعارة الرجال) تحت المجهر،عن رواية “مخالب المتعة” للكاتبة فاتحة مرشيد/ بقلم: بوسلهام عميمر

الجيغولو (دعارة الرجال) تحت المجهر،عن رواية “مخالب المتعة” للكاتبة فاتحة مرشيد/ بقلم: بوسلهام عميمر

الجيغولو (دعارة الرجال) تحت المجهر

رواية “مخالب المتعة”

 للكاتبة المغربية فاتحة مرشيد

بقلم: بوسلهام عميمر

ـــــــــــــــ

الدكتورة فاتحة مرشيد متعدد في واحد. فهي تجمع بين الطب والأدب. باقتدار تجيد كتابة

الشعر والرواية والقصة، ترجمت مجموعة من أعمالها إلى عدة لغات، فضلا عما تؤلفه من

كتب في مجال تخصصها في طب الأطفال، مولعة بالموسيقى والفن التشكيلي، سبق أن

قدمت برامج بقناة مغربية في التربية الصحية، وأشرفت على فقرة “لحظة شعر” في برنامج

ثقافي “ديوان” بنفس القناة. سبق لها أن حازت جائزة المغرب في الشعر (2010). فهي

اليوم تتربع على رصيد إبداعي هام يشارف على عشرة دواوين ومثله روايات. فهي عادة

ما تقتحم في منجزاتها الإبداعية ساحات لا تزال تصنف ببعض البلاد العربية في خانة

المحظورات و الطابوهات.

في روايتها هاته “مخالب المتعة”، الكاتبة بلغتها الشاعرية و بجرأتها الأدبية تناولت تيمة

“الجيغولو” (دعارة الرجال). ما أظن أحدا طرقها بالعمق الذي تناولته بها. فقد وضعت

قلمها على جرح هذه الظاهرة بكل ما أوتيت من إبداع روائي، حتى إنه أوجع البعض، فلم

يجد غير المنع وسيلة لمجابهتها، بدل الحجة بالحجة. إذ منعت هذه الرواية من العرض

بمجموعة من الدول العربية.

ألم يكن الأولى بدل سلاح المنع، فتح نقاش جاد حول ما فصلت فيه الكاتبة يتعلق بهذه

الظاهرة، ولم لا يكون على الهواء مباشرة، وللجمهور العربي رأيه في الإقبال على الرواية

أو الإعراض عنها؟

فقد علقت في أحد حواراتها على قرار المنع باستغراب واستهجان. فكم من كاتب عربي

يكتب عن دعارة النساء ماضيا أو حاضرا، ويتفنن في نقل وقائعها حد القرف، فلماذا ضاق

بعض أصحاب القرار درعا بكتابتي عن دعارة الرجال، فقامت قيامتهم ولم تقعد.

ما الفرق بين الرجل والمرأة؟ ألا يبيع كلاهما جسده ليأكل به. ألا ينطبق المثل المعروف

“تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها” على الرجال أيضا، المفروض يجوعون ولا يسترزقون

بأجسادهم، يبيعونها للنساء من الطبقة المخملية بمقابل مادي مغر؟ فالظاهرة تنتشر بشكل

مضطرد، إذ أصبح الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي يعرضون أجسادهم كأية

بضاعة للبيع. بل وكم منهم يُعَرض نفسه للخطر، بلجوئهم للمكملات الكيمائية حتى يكتسبوا

أجساما مغرية، لاستقطاب أكبر عدد من الزبونات الباحثات عن المتعة. هذا دون الحديث

عما يسببه مداومة الجنس من مشاكل صحية خطيرة على هؤلاء الشباب تصل إلى العجز

الجنسي التام.

وإن كان فالرواية تحاكم المنظومة التعليمية برمتها، و تؤشر على فشلها الدريع، بما أنها

تستقبل الملايين سنويا بدون أفق يضمن لهم كرامتهم عند تخرجهم. مما يجعل معظمهم

بشواهدهم العليا يصطدمون بسوق الشغل. وحتى إن اشتغلوا فلا علاقة لتخصصاتهم بما

يشتغلون به، كما هو حال الشبان الثلاثة في الرواية (مصطفى، عزيز، أمين). أما الرابع

رشيد فقد ترك باكرا جمل الجامعة بما حمل لما ألحقه والده بمعهد، ليصاهر عند تخرجه

والتحاقه بالعمل رئيسه المباشر، وهو رجل أعمال معروف، فدخل مجتمع الثراء من بابه

الواسع.

كان نقدها لاذعا للمنظومة التعليمية. فقد جاء على لسان رشيد: “الزمن تغير، وهناك شعب

دراسية يجب إلغاؤها بالمرة مثل: التاريخ والجغرافيا والآداب والفلسفة. كلها دراسة

نظرية محضة.. ألا توافقني؟ ماذا ستفعل بالدكتوراه في الفلسفة مثلا؟ لا شيء غير

التدريس لتكون بدورك عاطلين آخرين” ص43

وإن كان السؤال الذي يفرض ذاته حول ما إذا كان العيب في الفلسفة أم في السياسات

المتبعة. أليست الفلسفة هي قرينة الفكر الناقد؟ أليست هي الوعي بالذات وبالآخر؟

لو لم تكن على قدر من الأهمية، لما كانت ولا تزال في عين العاصفة من قبل كل

الدكتاتوريات عبر العصور؟ وقس عليها بقية الشعب كالقانون والتاريخ والجغرافيا

والأجناس الأدبية بمختلف تعبيراتها شعرا ونثرا.

فقد تناولت الكاتبة تيمات روايتها بأسلوب أدبي شائق، ينم عن تمكن محكم من أدوات

صنعتها الروائية. تنتقل بسلاسة بين شخوصها بدون أن تحس لتنقلها همسا ولا حسا،

كمايسترو بمهارة يقود فريقه لأداء معزوفة موسيقية ماتعة تشد الأسماع.

فمن وصف حال أمين الذي منذ تخرجه انخرط في البحث عن شغل يناسب تخصصه في

التاريخ والجغرافيا، وهو الذي اختاره اعتقادا منه كما في الرواية “بأن لا مستقبل بدون

تاريخ، ومصير الشعوب تحدده الجغرافيا” ص 9، لتعقب بدون مقدمات بنفس الصفحة

بالقول “هراء“. لكن بدون جدوى، إذ ظل عالة على أخته التي تشتغل في صالون  للحلاقة،

كل صباح تدس له في جيبه ما يدخن به ويؤدي ثمن فنجان قهوة. ولنا أن نتصور حال شاب

ينتظر ما تجود به أخته، علما فهي المعيل الوحيد للأسرة منذ وفاة والده. أليست هذه هي

التربة الخصبة لنبات كل الفطر المدمرة من إرهاب ومخدرات واحتراف كل الموبقات؟

أمين ظلت هذه حاله إلى أن التقى بصديق دراسته عزيز الذي فشل في استقراره بألمانيا

وعاد خاوي الوفاض ليجد ضالته في الاتجار بجسده وفحولته، ببيعه للنساء الثريات من

الطبقة المخملية ك “ليلى”. عن عمد عرّفته بامرأتين غيرها، بما أنه لا يهمها أي نوع من

الحب، بمعدل يومين لكل واحدة منهن يقول “أرتاح يوم الأحد لأنه اليوم الذي يخصصنه

للزوج و الأسرة” ص 26

انتهى بها المطاف لتُقتل على يدي عزيز الذي مع الوقت أحبها فعلا رغم فارق السن بينهما،

ولم يعد يستسيغ الاتفاق الذي كان بينهما “جنس بلا حب” فطفق يردد “لست أحد فساتينها

تلبسه يوما وتستغني عنه في الغد” ص 99. اقتفى أمين أثره بعد تردد، إذ اقتنع أخيرا

بمنطق صديقه ببيع نفسه “اللهم الملقى مع ميمة حنينة ولا شابة تعيشك فالمحينة”، بعدما قال

له “إنها تكبرك سنا، جميلة، ثرية، وتعيسة. مواصفات تجعل منها زبونة مثالية” ص24،

وإن كانت تجربته مختلفة مع “بسمة” المرأة الثرية، التي لم تكن في حاجة سوى لمن يشاركها

حزنها على ولدها الفقيد، يصغي إليها ويواسيها، فاشترطت عليه “حب بدون جنس”.

فالحنان مسموح والشهوة محظورة، القبل مباحة والمضاجعة ممنوعة، قائلة في ص77

القبلة فعل حب بدليل أن العاهرات لا يقبلن زبائنهن“، انتهى الأمر بها بعد موت صديقتها

لتهاجر إلى كندا، بعد أن ضمنت له تعيينا في معهد للتكوين. كان ذلك من الكاتبة لتؤكد على

أمر غاية في الخطورة. إنها آفة الزبونية والمحسوبية في أحقر تجلياتها، تضرب في مقتل

مبدأ تكافؤ الفرص بين الشباب طالبي الشغل.

النموذج الثالث كان مصطفى دكتوراه في الفلسفة، الذي ربما بحكم تكوينه الفلسفي خبر

الواقع المرير، وبدون أن يقطع حذاءه في البحث عن سراب وظيفة أو عمل يناسب

تخصصه، قبل بأول عمل يصادفه، فاشتغل سائقا لسيارة أجرة لدى أحد محتكري الكريمات،

وتزوج من أخت أمين وكفى المؤمنين القتال.

الكاتبة بحكم تخصصها الطبي وشغفها بعلم النفس، تدرك جيدا ماذا تعنيه السنوات الأولى

لدى كل إنسان. عزيز تشير أنه عاش طفولة متشظية إثر انفصال والديه وهو ابن التاسعة

من عمره، فتزوج من شابة تصغره سنا، حصل أن أجلاه والده سي علال وطرده من البيت

شر طردة، بعدما ضبطه يتلصص عليها في الحمام، فانتقل ليعيش مع زوج أمه الشاب

الأعزب، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار. فقد أذاقه من كأس المهانة حتى الثمالة إلى

أن اجتاز امتحان الباكالوريا، فكان من أمره ما كان، سواء خارج الوطن بألمانيا لما تأكد

لخطيبته تحرشه بأختها، أو داخل الوطن لما انتهى به المقام بالسجن بسبب قتله ل “ليلى”.

ليلى نفسها هي الأخرى تعرضت في طفولتها للاغتصاب من طرف زوج أمها، ختم عليها

بتزويجها من رجل يكبرها بثلاثين سنة، وإن كانت تقول “لم أكن راضية طبعا، لكن

اغتصابي من مجهول أهون من الاغتصاب الذي يمارسه علي زوج أمي” ص87. فتكونت

لديها عقدة من الحب حملتها معها طول حياتها تقول “لا أومن بالحب. وحدها المتعة

تحركني. متعة أشتريها. متعة مع رجال يصغرونني سنا. لا أتحمل الجنس مع من هم

أكبر مني .. أرى فيهم شبح زوج أمي” ص87

هو حال الأثرياء كما تؤكده الكاتبة “أصحاب المال عندما يضيع منهم الشباب يحاولون

شراء شباب الآخرين” ص 29.

نموذج آخر تؤكد فيه على تأثير السنوات الأولى من عمر الإنسان، و هو المتعلق بأحمد

كما ورد على لسان صديقه إدريس، لما تقاعد قرر أن يحقق حلما ظل يراوده لمدة خمسين

سنة، وهو السفر إلى الهند تلبية لرغبة تولدت لديه أثناء مشاهدته لفلم سينمائي هندي ولم

يكن يتجاوز حينها الثانية عشر من عمره ليزور المحل الأسطوري “تاج محل”، كان البطل

يغني أمامه و يراقص حبيبته. ف”الأحلام لا عمر لها” ص146

ومما يحسب للرواية أنها بين الفينة والأخرى ترصد على لسان شخوصها، ما يعيشه

المجتمع من تناقضات عصية على الفهم، من قبيل ما ساقه عزيز في سياق نقاشه مع صديقه

أمين الذي استنكر الفارق العمري بين الجيغولو والنساء الثريات، “لماذا عندما يتعلق الأمر

برجل مسن يدخل في علاقة مع فتاة في سن حفيدته يعتبر الأمر عاديا.. وعندما يتعلق

الأمر بامرأة تعاشر رجلا أصغر منها سنا تصبح المسألة غير مقبولة بل ولا أخلاقية؟   ص 30

من المفارقات أيضا ما جاء على لسان أمين في حديثه عن “أمي البتول” التي كان الجميع

يهابها، لم ينس قصتها مع تبوله اللاإرادي في الصغر، وكيف أنها فرضت عليه كل خميس

أن يجلس أمامها على الكسكاس ليقسم قائلا “حق هاذ البلبول منبول“. والطامة يقول لما لم

تُجْد هذه الوصفة نفعا مرت للخطة “ب” في العلاج، هنا بيت التناقض السافر، لما أشارت

على أمه بوصفة الفول مطبوخ ببوله مؤكدة لها أنه “حطة ببطلة”، وطالبته بتقديم هذه

الوجبة لأصدقائه لينتقل التبول إليهم.

ظواهر أخرى عرجت الرواية عليها بمرارة، مثل الطلاق الذي تتفاقم نسبته سنة بعد أخرى،

وعادة ما تكون النساء ضحاياه من عدة وجوه، تقول الكاتبة على لسان “ميمي” النادلة

بإحدى الحانات “ميلودة” في الأصل “أعلم أنني متهمة، لكنني فهمت أن التهمة الكبرى

بهذا البلد السعيد، هي كوني امرأة مطلقة” ص104، نصب عليها زوجها، فسلبها كل ما

تملك من نقود وأساور، وترك لها ورقة الطلاق وهاجر، لتجد نفسها وجها لوجه مع عوادي

الزمن، تتحمل مسؤولية طفل من صلبه وأم وأخ وجدة. ومع المأساة التي تغرق فيها فهي

ملزمة بالابتسام في وجه الجميع.

ظاهرة أخرى تتعلق بالتقاعد على لسان إدريس يحكي قصة صديقه أحمد الذي ظل ينتظر

لمدة نصف قرن ليحقق حلمه. وجد نفسه وحيدا لأن زوجته لم تعد تكف عن التنقل بين

بيوتات أبنائهما لتلبية حاجبات أحفادها. كان أمله أن يحج إلى محراب الحب “تاج محل”

فبعدما قر قراره على السفر، عقد اجتماعا طارئا بحضور زوجته وأبنائه من أجل إخبارهم

بالأمر وليس التشاور معهم. “تبادلوا نظرات تحمل قرارات مضادة، وانصرفوا“. أيام

معدودات كانت كافية ليجردوه من كل ممتلكاته بعدما حجروا عليه. “انهارت قواه وسقط

طريح الصدمة” ص148

كانت صدمته قوية لما صار ابنه الذي ضحى من أجل تعليمه خارج الوطن، يتزعم الكيد له

والحيلولة دون تحقيق حلمه، فظل يتألم ويتحسر وهو يقارن حاله بحال المتقاعدين هناك

وإن تقاعدوا عن العمل فهم لا يتقاعدون عن الحياة، بل يتهافتون على السفر واكتشاف

العالم” ص149. أيام فوُجد جثة هامدة بإحدى قاعات السينما حاملا معه غصته في حلقه.

  • ألا تؤكد لنا هذه الظواهر التي لا تزال تعشش في مجتمعاتنا، أن المسافة بيننا

وبين الوعي اللازم لا تزال بعيدة؟

  • ألا تدعونا لنكثف مجهوداتنا للقطع معها على درب اللحاق بالأمم الأخرى؟
  • ألا تتحمل الجهات المعنية مسؤوليتها فتسعى لإصلاح المنظومة التعليمية بما أنها

قاطرة كل القطاعات؟

  • فلم لا إعادة النظر فيها لتكون الفضاء الأمثل للتعليم الجيد والتأهيل المناسب لسوق

الشغل تجنب الشباب المآلات التي رصدت الرواية جزء منها؟

  • فما محل المثقفين، ورجال الدين المتنورين، والأساتذة وجمعيات المجتمع المدني

من إعراب التغيير المجتمعي؟

 

 


عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman