الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / “المقامة الكورونية، كوفيد تسعة عشر، الغول الذي أرعب البشر” للكاتبة والإعلامية أمينة حسيم /   بقلم: ذ. بوسلهام عميمر

“المقامة الكورونية، كوفيد تسعة عشر، الغول الذي أرعب البشر” للكاتبة والإعلامية أمينة حسيم /   بقلم: ذ. بوسلهام عميمر

كان بإمكان الكاتبة والشاعرة والإعلامية أمينة حسيم، أن تركب

المركب السهل لتوثق لجائحة كورونا، بما توفر لديها من كم هائل

من الوثائق  و البيانات من مضانها في كتاب و “كفى المؤمنين

القتال”، بدل أن تبعث أحد الفنون العربية أكثر عراقة من مرقده

(فن المقامة)  لتدون من خلاله كل شاذة و فاذة ترتبط بهذا

الغول الذي أرعب البشر، كما أبت إلا أن تؤكد عليه منذ

عتبة منجزها الأدبي الفريد من نوعه شكلا ومضمونا،

معنى ومبنى.

الكاتبة بمهارة المتمكن من صرة صنعته صاغت عنوان

كتابها “المقامة الكورونية، كوفيد تسعة عشر، الغول

الذي أرعب البشر“، ينبئ بما سيكون عليه سواء من حيث

بناؤه ومعماره، فالسجع أحد أهم مقومات فن المقامة، حاضر بشكل بارز بين كلمتي “عشر”

و “بشر”، ولا من حيث دلالاته ومقاصده. فلم يكن اعتباطا أن تختار “الغول” المرعب للبشر

لتعبر عن الجائحة المدمرة، فإذا كان “الغول” بحمولته الشعبية، بأنه ذلك الكائن الخرافي،

بمجرد ذكره يحضر قاموس مفعم بالبشاعة والوحشية والفتك والافتراس، فإن الفيروس كما

في لوحة  الفنان التشكيلي القدير عبد الجبار العسري، هو بلا ملامح، أبدع في تشكيل رعبها

وهولها. لوحة تظهر الفيروس وكأنه قنبلة نووية، أفقدت العالم توازنه، فمزقت أوصاله. لوحة

كبحر هائج بتشكيلاتها وألوانها الداكنة المضطربة وشخوصِها العرايا يحيط بهم الموت من

كل جانب. تذكر بلوحة بيكاسو الشهيرة Guernica”، القرية الصغيرة بإقليم الباسك، تعرضت

لدمار شامل وخراب كامل وإبادة جماعية جراء الطيران النازي الألماني والفاشي الإيطالي

عام 1937. بعبقريته الفنية الفذة وثق بابلو بيكاسو للجريمة البشعة والوحشية الرهيبة، (قصة

هذه اللوحة جديرة بالمعرفة).

عتبات بدقة متناهية نلفيها في هذا المنجز، حتى إذا انتقلنا إلى خلفية الكتاب، نجد ما هو أدهى

وأمر بخصوص هذا الوباء، إذ تفننت الكاتبة في رسم قتامة الجائحة بكلمات دقيقة معبرة

موحية. تؤكد فيها أنه لا فصول السنة بما تتجمل به بقيت على حالها، ولا الطيور، ولا أجنحة

الفراشات تنعم بزينة خيوط ألوان أشعة الشمس، ولا عاد السنونو من منفاه البعيد، ولا القمر

يغازل سحر النجمات ولا و لا. قصيدة باذخة صورت الوضع العصيب، لم يسلم من دمارها

لا بشر ولا شجر ولا حجر، تقول في آخر قصيدة الخلفية بتعبير شاعري بليغ، “وفي كل

الشوارع ..// التف الحزن بالحزن // والصمت بالصمت // وغاب بريق الوداع // فزع

الحضن من الحضن // وارتبك القلب // وغابت لحظة العناق // غابت حرارة اللقاء // وما

عاد القرب // لهفةَ الصبايا والرفاق” يبلغ الأسى مداه، فتعلنها مدوية بفعل هول الجائحة

تحصد الموت الأرواح بالجملة، فوقف العالم مشدوها، بعثرت كافة أوراقه. فاجأت العالم على

حين غِرة. توقف الزمن بالكامل. نفذت كل أسباب الأرض، و فُقد الأمل، فلم يبق من خيار

غير أن تشرئب الأعناق إلى السماء، تختم قصيدتها قائلة، “غاب عنا كل شيء // وغاب فينا

كل شيء// غابت عنا كل الصور // ولم تغب فينا صورة الله …“.

فقد كانت لوحة الغلاف بما تعج به من عويل وصياح وأجساد عارية، وما انطوى عليه العنوان

من رعب، و قصيدة الخلفية من ألفها إلى يائها تنز كمدا، عتبات ثلاث بمثابة خارطة طريق

لما سيكون عليه هذا المنجز الأدبي الفريد. أثبتت من خلاله الكاتبة أمينة حسيم أن الإبداع لا

جنس له كما وثق لذلك ذ. رضوان الصالحي الشيهب في تقديمه للكتاب “المقامة الكورونية

إبداع بصيغة المؤنث، يحمل بين طياته الحب والمحبة“.

صحيح على درب رواد هذا الفن العربي الأصيل سارت الكاتبة أمينة، ملتزمة بأهم عناصر

فن المقامة من سجع وظرافة وحسن وطرافة وجرس وموسيقى، وطباق وجناس فضلا عما

تتضمنه من فوائد ومواعظ وحِكم، لكن على امتداد مقاماتها الأربعين، ببراعة أخذت بقوة

بزمام السجع أخذ يحيى للكتاب، وضبطت إيقاعه لتعبر من خلاله عن أدق تفاصيل الجائحة.

و بمهارة طوعت آليته ليكون في خدمة غرضها وليس العكس كما قد يتبادر إلى الأذهان.

إنها باقتدار الكبار قفزت بالمقامة بما لم تعهده في سالف عصرها، مما اشتغلت عليه تراثيا

من أخبار الحمقى والمجانين و النصب والاحتيال والخيانة اضطر معها الشيخ محمد عبده

ليسقط عددا منها خلال شرحه لمقامات الحريري. على العكس من ذلك، فقد وظفتها الكاتبة

لتوثق لجائحة ما عرف التاريخ مثيلا لها، حتى  الطيور نالت نصيبها من رعبها، في ص

115 نجدها تقول “وهذه لقالقها (مراكش) في الأعشاش تشعر بوحشة رهيبة” وثقت لها

بأمانة علمية عالية من خلال الكم الهائل من الوثائق الوطنية و الدولية وما صدر عن منظمة

الصحة العالمية، تؤكد في ص 99 “لا أستطيع أن أجزم أو أحكم بما لم تسمع  به أذناي، ولا

أن أخوض فيما لم تقع عليه من مكتوب أو منشور عيناي، حتى لا تقع في الخطأ وسوء

التقدير شفتاي، فالأحكام والأقوال يجب أن تؤخذ من مراجعها ومصادرها، والوقوف عليها

من أصولها ومساندها“.

ووثقت لها شعبيا أدق توثيق، من خلال ما تداولته الأوساط الشعبية بين مصدق وناكر لها

ومتردد في استيعاب أمرها تقول في م. 16 ص81 “كوفيد هل هو حقيقة أم وهم؟” “ظلت

كورونا تطوف ما بين السهل والوادي، تبحث كالغول في طريقها عن الرائح والغادي،،،

هؤلاء الذين يزعمون بأن الوباء كذب ووهم، وأنه فقط وسيلة هم وجلب غم،،، في مفهومهم

إن هذا مرض لا يؤدي كما ظنوا إلى القبر، سيرحل كالزكام حسب اعتقادهم في أقل من

شهر،،، لكن المغرب في هذه الأزمة كان لهم بالمرصاد، وتصدى لأمثالهم وأمثال أمثالهم

كالمعتاد“.

فقد تتبعت بدقة متناهية تطور الوباء داخل الوطن وخارجه من أول مقامة “بداية الكابوس

إلى المقامة الأربعين بداية الانفراج مع إنتاج اللقاح “استرازينيكا وسينوفارم في المغرب“،

مرورا  بتتبع تمدد انتشاره كأخطبوط بآلاف الأذرع، قتلا وفتكا بالملايين بكل بلاد المعمور.

أول مرة وباء يشل الحركة عالميا، الجميع يئن تحت جبروته، لا فرق بين دول عالم أول أو

ثان أو ثالث. بعثر أوراق كيانات واتحادات تجمع بينها معاهدات تاريخية، فلم يعد شعار كل

بلد سوى نفسي نفسي. كل بلد يوقع في الكواليس اتفاقيات بالملايير مع شركات إنتاج اللقاحات

العالمية.

الجميل في مقامات الكاتبة المقتدرة، أنها في خضم عرض صور الدمار الشامل في الأرواح،

فإنها تعرج على ما يبعث على الأمل والحياة، فإيطاليا مثلا و قد خصتها بثلاث مقامات (8،

9، 10) تقول في ص52 “هذه روما عاصمة الفن والجمال والحضارة” و تضيف مذكرة

بقيمة الفن في تلك الربوع “الفن في ربوع إيطاليا كأنه على رجليه يمشي، وكل ركن فيها

بالجمال والرونق والإبداع يشي، تفضح سره موناليزا ليوناردو دافنشي” والأجمل لما

أوردت مقالة جامعة مانعة لفرانشيسكا ميلاندري، روائية وكاتبة سيناريو خصصت لها المقامة

التاسعة، وما كان لها أن تخصها بمقامة لولا أهميتها. خلصت المقالة بعدما عرجت على

الكثير مما يتعلق بأسبابها و عواقبها القريبة “فالحظر في بيت ذي حديقة جميلة ليس كالحظر

في مشروع مكدس بالسكان” 55، كما رصدت فيها لما سيكون عليه الأمر بعد انقشاع غمتها،

من قبيل كثرة الأطفال في أرحام النساء، والبدء في إجراءات الطلاق، لتختمها بقولها بنفس

الصفحة “حينما ينتهي هذا كله، لن يكون العالم مثلما عهدناه“. وعلى هذا النهج سارت لما

تحدثت عما فعلته كورونا ببقية بلدان العالم.

في منجزها الباذخ هذا، لم تترك مجالا فيه رائحة كورونا إلا وطرقت بابه. في المقامة 8

أوردت بالتفصيل ما راج حول مَصْدره ومُصَدّره في ص51 ، هل هي أمريكا أم الصين

أم هذا وباء ليس للصين فيه ولا لأمريكا أي يد”. كما لم يفتها وهي تصول وتجول بلغتها

الأنيقة بخصوص الجائحة بالمغرب، أن تذكر بما عاشه من أوبئة قبل كورونا، (ص 83 )

فذكرت بالطاعون و بعام الجراد، و بعام الجوع، وبجوائح أخرى مثل بوكليب في نهاية ق19

و التيفوييد. لكن رغم خطورة هذه الأوبئة وما أحدثته من كوارث في الأرواح، لم تكن بحجم

ما تسببت فيه هذه الجائحة. لم يسلم من شظاياها جانب من جوانب الحياة. فلا العيد بقي عيدا

في ص 148 تقول “هكذا عيد الأضحى في زمن كوفيد أضحى بلا طعم ولا لون” أفاضت

وأفادت في التذكير بما يصاحب أعيادنا الدينية من عادات وتقاليد في طريقها إلى الانقراض

مثل كرداس العيد. دون أن تنسى ما يصاحب هذه المناسبة من معتقدات تقول ص 145″حتى

القطط يوم العيد تغادر الأزقة والبيوت سبحان الله، وتذهب إلى وجهة مجهولة لا يعلمها إلا

الله، أو كما يقول العامة تذهب للحج وزيارة بيت الله

كما لم تغفل في مقاماتها أن توثق بفنية لطرق تنقله بين الناس كما أكد عليه الأطباء والخبراء

لم يفتأ الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب يذكر بها للحد من انتشارها (ص 114/ م. 25)،

فذكرت الرذاذ، والسعال بدون قناع، والمصافحة والقبلة الحارة وغيرها. وفي انتظار ما

ستنتجه المختبرات والمعاهد من لقاحات، وأمام الدوخة والحيرة التي وجد الناس أنفسهم في

خضمها، وجدت الوصفات الشعبية ضالتها خاصة في الأوساط الشعبية عرضتها بطريقة

كوميدية، في ص169/م. 38، فذكرت الثوم والبصل والماء الدافئ والقرنفل وغيرها كثير

وعلى هذا المنوال تابعت تفصل في هذه الوصفات قائلة في ص 170″ناهيك عما يروج حول

العشبة القنفذية في زيادة تقوية المناعة الذاتية

عينها الراصدة لم تقتصر على مجريات ما يحدث بالمغرب عبر وسائل الإعلام الرسمية

ووسائط التواصل الاجتماعي، فبحكم اهتماماتها الإعلامية نظرية وممارسة، لم تغفل عما

يحبل به الإعلام الخارجي من معطيات حول الجائحة إيجابا أو سلبا. فمن أقوى محطات

الكتاب تنديدها الشديد بالعنصرية المقيتة ونبذها، ففي خضم عنفوان الجائحة ظهر معدن

بعضهم ممن يحسبون من قبيلة العلماء والخبراء، في ص 68 أشارت إلى خبر مسموع

منشور في قناة فرنسية، واسم وصفة طبيبين فرنسيين يدْعُوان بدون أن يرف لهما جفن

بإمكانية تجريب دواء السل في البلدان الإفريقية تقول “لكن الأصوات ارتفعت سريعا لنبذ هذه

العنصرية، معلنة أن إفريقيا ليست فئران تجارب لأي اكتشافات دولية“. وتزيد معقبة معزرة

فالإنسان إنسان سواء في أمريكا أو في إيطاليا، كان في المغرب أو السودان ..” فتعلنها

مدوية تصم الآذان قائلة في نفس الصفحة “كفى من التمييز والكراهية والحروب وسفك الدماء

والعنصرية“.

تيمات كثيرة اشتغلت عليها الكاتبة في منجزها المتفرد هذا، يصعب الإتيان عليها مجتمعة في

هذه الوريقات المعدودات، لكن يبقى التعليم على رأسها. خصته بأكثر من مقامة، وذكرته

عشرات المرات. ففي المقامة 18” كوفيد يغلق المدارس“، فبعد تتبع كرونولوجيا تَسارُع

وتيرة انتشاره، وقبل تفاقم الوضع كان المغرب في الموعد “كان المغرب على وعي وبال،

فأسرع بتطبيق أول إجراء في الحال، يتعلق بإغلاق المدارس وما يعد من هذا المجال

ص87 . لم يفتها وهي تذكر بحيثيات هذا القرار، وهي الخبيرة بالمجال التربوي، أن تضع

الأصبع على أحد جراحات واقعنا التعليمي، يتعلق بظاهرة الاكتظاظ، فدوره بارز في تدني

مستواه ببلادنا رغم محاولات الإصلاح المتعددة، تقول “خصوصا أن أعداد التلاميذ في القسم

تفوق الأربعين، وبعض المدارس تتجاوز هذا العدد إلى خمسين، رغم أن مذكرة وزارة

التربية الوطنية حددت في ثلاثين، حتى تتوفر الظروف المناسبة للتعلم والتلقين، لكن الأمر

في الواقع يبدو غير ما جاء في المذكرة وقيل، و الأنجع في هذا الطريق والسبيل، أن يسهر

ذوو الشأن على تفعيل نص المذكرة أحسن تفعيل“.

وثقت أيضا لرجال السلطة ونسائها وهم يتجولون في الأحياء والدروب محذرين من مغبة

الاستهتار وخرق الحظر. أفاضت في ذكر تضحياتهم الجسام لتنفيذ المذكرات والقرارات

والتعليمات. وللتدليل على ذلك خصت القائدة حورية بمقامة قائمة الذات “القايدة حورية حفيدة

حوريات المغرب” 123 م.27 . كانت المناسبة من باب الشيء بالشيء يذكر أن تؤكد أن

المغرب على امتداد تاريخه يزخر بحوريات وليس حورية واحدة. فذكرت في هذه المقامة

بإسهامات المرأة المغربية في كل المجالات والميادين عبر كل العصور والدهور، وذكرت

ببلائها الحسن سنوات الاستعمار في معركة الكرامة ضد المستعمر، معرجة على نساء تركن

بصمتهن في تاريخ المغرب من أمثال السيدة الحرة وثوريا الشاوي أول ربانة طائرة عربيا،

وسعيدة عباد أول سائقة قطار، ود. أمينة المريني شاعرة من دواوينها “مكاشفات”، وزينب

النفزاوية، وكنزة الأوربية، ومسعودة الوزتيكية، وخناتة بنت بكار فقيهة وأديبة وعالمة،

وغيرهن كثيرات. وأكيد هذا العرض لهؤلاء النسوة الفذات لم يكن من باب الترف المعرفي.

فإياك أعني واسمعي يا جارة.

لكن هذا لم يمنعها وهي تعدد مناقب الدكتورة حورية، من تسجيل تجاوزات بعضهن لم يكن

في مستوى الحدث “بتصرفات خالية من الرحمة والعطف واحترام سنه وشيبه..” ص 119

بعد الحديث عن دور السلطات في الوقاية من الجائحة تقول “لم يكن في الميدان فقط أصحاب

القبعة الدكناء، بل كان على رأس القائمة أصحاب الوزرة البيضاء، ملائكة الرحمة وهدية

الله للأرض من السماء” فصلت كثيرا حتى في لباسهم وبدلاتهم “تبدو في ظاهرها خانقة

للنفس” 129 “تراهم وهم يطوفون على الوحدات العلاجية كأنهم رواد فضاء، يتحركون

بانضباط فوق الأرض وليس في السماء” 130، وكانت المناسبة مواتية لتبعث الروح في

مجموعة من الأسماء بقولها “وغير الطبيبات هناك أطباء مثل ابن الهيثم وجابر بن حيان،..”

و غير هؤلاء كثير. 132

وعلى نفس النهج النقدي سارت فيما يتعلق بمستشفى ابن زهر إذ خصته بمقامة 37 “أوضاع

ابن زهر في زمن كوفيد”. لم تهادن ولم تعمد إلى تلوين الأمور بغير لونها، ولا لوت عنق

الحقائق إرضاء لجهة ما. فقد سمت الأمور بمسمياتها تقول في ص164 “لكن الصدمة كانت

أكبر مما يتخيل أهل مراكش ويتصورون، خاصة أوضاع مستشفى ابن زهر الذي وجدوا

فيه غير ما ينتظرون”.

وقبل هؤلاء وأولئك أفاضت الكاتبة وأجادت في المبادرات الملكية المواكبة لتطورات الجائحة

ابتداء من تعليماته للحد من آثارها على المواطنين إلى إقرار الدعم، تقول “إذ سعى جلالته

انطلاقا من حرصه على حياة الشعب، أن يكون أول جندي يشن الحرب، على فيروس كورونا

من كل ناحية وصوب” 106. وكدأبها فتحت قوسا لتذكر ببعض ما يتعلق بالملوك العلويين

تقول في ص107 “وباعتلائه العرش يكون جلالته الملك الثالث والثلاثين، من سلالة أشراف

الملوك العلويين”.

و تبقى المنجزات الأدبية، مهما بلغ عمق تيماتها و أهمية موضوعاتها قاصرة، إذا لم تتوش

بلبوس فني قشيب، فيه ماء الإبداع، بلغته الأنيقة وصوره البلاغية البديعة وتعبيراته الجميلة.

ذلك ما نلفيه في مقامات الكاتبة أمينة خاصة وفن المقامة فن الزخرفة اللغوية بامتياز. يتداخل

في جنس المقامة فنون مختلفة. ففضلا عما تضمنته المقامات الأربعين من محسنات بديعية

من طباق و جناس ( بقاع وقناع ووداع و صمت وصوت وموت و حال وجال..) لنتأمل

تعبيرها في سياق حديثها عما فعلته كورونا في مراكش، إذ قلبت رأسها على عقبه، عبرت

عن فتور حركتها وفراغ ساحاتها بقولها م.25/ ص117 “لم تبق في الأحياء سوى قطط

وكلاب بالليل والنهار تدور، تحسب أن الإنسان بأجناسه وألوانه قد غادر بقاع المعمور،

وترك لها المكان فسيحا إلى يوم النشور“، وفي مقامة ثانية خصت بها مراكش تقول موظفة

جرس كلمات قرآنية (سورة الشمس)”تغير كل شيء وتبدل الأمر بين عشية وضحاها،

وأصبحت تدور في غير مركزها طواحين الأيام ورحاها، حتى أضحت أرض السبعة رجال

كمن أزاحها ودحاها، عن الفرجة والبهجة في ساحة عريقة مدها الله وطحاها” 162

وفي ص 172/م 39 صورة بديعة ونحن نتتبع دلالاتها و نتصور تركيبها “ملل يولد من

ملل، وسأم يدفع إلى سأم بمزيد من الحيرة والقلق، وخوف يولد من خوف يجثم على

الصدور في النهار ووقت الغسق…هكذا مرت العطلة الصيفية لسنة عشرين عشرين والحال

كما هو من شفق إلى شفق

ومما يسجل لهذه المقامات بمداد من فخر، استحضارها تناصيا لفنون تعبيرية أخرى ببراعة

المتمكن من ناصية صنعته، أضفت عليها جمالا فنيا وثراء معرفيا. يأتي الشعر على رأسها،

متحت من عيونه أبدعَه وأرقاه وأرقه. في المقامة الخامسة عشرة “كوفيد يخنق الجميلات في

بلاد الإسبان” ص76 تستحضر أحد أساطين الشعر العربي الحديث، الراحل نزار قباني

بقولها “قال الشاعر السوري نزار، عندما زار ذات أعوام هذه الديار، ورأى العيون السود

الكبار، لحفيدات عربيات ذوات السوار:

          عينان سوداوان في حجريهما       تتوالد الأبعاد من أبعاد

         هل أنت إسبانية؟ ساءلتها             قالت: وفي غرناطة ميلادي

         غرناطة؟ وصِحْت قرونٌ سبعة        في تينك العينين بعد رقاد

         ما أغرب التاريخ كيف أعادني       لحفيدة سمراء من أحفادي

من قصيدة طويلة له مطلعها:

           في مدخل الحمراء كان لقاؤنا          ما أطيب اللقيا بلا ميعاد

لم يفتها في هذه المقامة وهي تستعرض صور تأثير كوفيد على الجميلات الاسبانيات أن

تستحضر بمرارة على لسان نزار قباني أيضا ماضي العرب التليد هناك في تلك الربوع.

يعصر الأسى دواخله، فيقول بأبلغ تعبير

إسبانيا… // جسر من البكاء // يمتد بين السماء والأرض

لا بد قبل نقطة النهاية من الإشارة إلى أن هذا المنجز، بما يحفل به من معارف على مستوى

مضمونه ومعناه، وما يزخر به من جمال فني على مستوى شكله ومبناه، فإنه يحتاج إلى أكثر

من مقاربة تحليلية و إلى أكثر من قراءة فاحصة، تستنطق ما بين سطوره و تستكنه ما خلف

كلماته.

 

 


عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman