الرئيسية / قصة / النادل … / بقلم: شارا رشيد

النادل … / بقلم: شارا رشيد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النادل … / بقلم: شارا رشيد

 قصة قصيرة

ــــــــــــــــــــــــ

لا سبيل للهروب من هذة الوظيفة المملة ومتاعب الحياة ورعونة البشر غيرالركون إلى الوحدة وتناول فنجان قهوة في مكان هادئ، “نعم لابد أن أتخلص من الزحام الذي في رأسي، آوه… قد يكون ذلك المقهى مناسباً!” هكذا كانت “نبأ” تحدث نفسها وهي تتجه نحو مقهى في آخر الشارع، واجهته الزجاجية كشفت عن طاولات وكراسي زرقاء أنيقة، والحديقة الأمامية مرتبة بطريقة تنم عن ذوق راقي، سياج الآس والأزهار في الأصص المحاذية لسياج المقهى الواطئ أضاف للمكان بهجة وطراوة. دفعت الباب الزجاجي بيدها ودخلتْ، أجالتْ نظرها في المكان  تبحث عن زاوية معزولة  توفر لها الهدوء وبعض الخصوصية، وما هي إلا لحظات حتى أختارتْ مكاناً، طاولة بكرسيين زرقاوين الى جانب شباك يطل على حديقة المقهى، جلستْ ووضعتْ على الطاولة حقيبتها اليدوية ورزمة أوراق وملفات  كانت تثقل كاهلها، تنفستْ الصعداء كمنْ وجدَ مستقراً بعد ترحالٍ طويل، أومأت للنادل الذي ترقب َجلوسها بعناية منذ اللحظة التي دخلت فيه المقهى، شاب طويل القامة لا يتجاوز الخامسة والعشرين، ذو بشرة ناعمة، وشعر سَبِل أشقر مفروق من الوسط،  يربط على خاصرتهِ صدرية الندلاء بيضاء اللون ونظيفة، سحنته  تنم عن فرحة غامرة  وإحساس بالفخر كونه نادلاً في ذلك المكان الأنيق، ما أن وصلَ إليها حتى بدأ بالكلام:

_ أهلاً بك سيدتي، أرجو أن يكون مكانك رائقاً، يبدو لي أنك أخترت الأفضل والأكثر هدوء، فهذه زاوية مميزة في المقهى ولا يختاره إلا المميزون وأصحاب المزاج الخاص.

_ شكراً، هل لي …

بالكاد نطقت الكلمتين حتى قاطعها النادل :

_ “أنه مكان مميز وأنا واثق بأنه سيروقك كما سوف تروقك خدمتنا المميزة، فنحن هنا في خدمة الزبائن، ويهمنا جداً راحتهم ورضاهم”.

وأسترسل النادل بشرح وتعريف المكان بينما كانت نبأ تنظر إلى ساعتها اليدوية لتشعره بلامبالاتها بحديثه…

“هذا المكان يا سيدتي لا يرتاده سوى مشاهير الفنانين في المدينة والمثقفين  وكبار رجال الأعمال، بالأمس كان الشاعر الكبير( م.م شونم ) هنا مع ثلة مثقفين، أنه زبون دائم، وكثيراً ما يقيم ندواته الشعرية هنا، كما أن تلك الطاولة  التي على يمين المدفأة محجوزة باستمرار للسيد(سراج الدين محمد) تاجر التبوغ المعروف، هو غالباً ما يصاب بنزلات البرد، فيلازم المدفأة لساعات طويلة، كما أن أعضاء البرلمان الموقرون يفضلون هذا المكان على سواه، فهم يجدون هنا أجواء ملائمة للتخلص من أعباء العمل والسياسة، وكثيراً ما يجتمع هنا أعضاء البرلمان من مختلف الأحزاب، يجلسون على طاولة واحدة، وكأنهم أخوة، ههه … لن تصدقي يا سيدتي إن قلت لك أن سيدة البلاد الأولى هي الأخرى  تأتي هنا متخفيةً عن أنظار العامة لتنال قسطاً من الحرية والهدوء، هل تعرفين أنها حقاً إنسانة متواضعة، كما أننا هنا مستعدون لإقامة حفلات أعياد الميلاد والمناسبات الخاصة وبتكاليف ملائمة جداً ”

وظل النادل يتحدث ويزيد، يذكر ويعدد أسماء كل من أرتاد المقهى يوماً من الأيام ثم أدار ظهره وهم بالانصراف وتدارك بأنه لم يسألها عن طلبها فأستدار مجدداً ليسألها، تعلو وجهه ابتسامة متعبة… كانت “نبأ” تجمع أوراقها وحقيبتها لتغادر.

الكاتبة والتشكيلية شارا رشيد

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman