الرئيسية / قصة / النافذة…/ بقلم: عنان محروس

النافذة…/ بقلم: عنان محروس

النافذة…/ بقلم: عنان محروس

” الرجل … ما هو إلا نتاج أفكاره .. بما يفكر، يصبح عليه “

غاندي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النافذة

لمْ يبدُ لنظرِ من طال ليله من البشر، احمرار أُفق الليلِ من الغضب، فقد أخفى حنقه وهياجه وراء ثوبٍ من غمامٍ داكن وكأنه في فترةِ حداد.

ودموع السحاب ركعات نافلة، تصلي القيام، لعلها تحثُ الملائكة لتطرد الشياطين عن بعضِ النفوسِ الأمارة بالسوء.

ترجو. وهي على يقين باستحالةِ إجابةِ رجاها ودعواها ..

 تبكي إلى أن ينالها التعب من الدعاء ومن جبروت الإنسان.

يحزنُ الليل على السحب، يسدلُ جفونه عليها ويحضنها،

ليغضوا البصر عن جميع البشر.

عندَ نافذةٍ قريبةٍ أضواؤها خافتة، وقف رجلٌ وسيمٌ مصابٌ بأنيميا حب مزمن لا شفاء منهُ.

ومع أنه يبتسم بوداعةِ طفلٍ إلا أنك إذا نظرت إليهِ من خلال ما يرتدي من ملابس، ينتابك شكٌ في أنه مصاب بالفصام.

الجزء الأعلى الذي يُظهرُ جسده من النافذة، يرتدي قميصاً أزرق مكوياً بعناية وخاتماً من ذهب ثمين يتناسب مع ساعتهِ الأنيقة، شعره المصفف بعناية يجعلك متأكداً من أنه آتٍ من عند أفضل المزينين.

أما الجزء الأسفل من جسدهِ والذي يخفيه ما تحت حافة نافذته،

حافي القدمين .. يرتدي شورتاً أحمر قصيراً جداً على قماشه منقوش عليه رسومات وكلمات فاضحة، تخطت حدود الأدب واللباقة.

اندماج غريب لحالة اضطراب كسائي في شخص واحد.

وقف يُلوحُ بلهفةِ عاشق لصبية جميلة في مقتبل العمر

نافذتها تقابل نافذته..

انتظرته طوال اليوم حتى يأتي في موعدهِ كل مساء الساعة العاشرة تماماً .. وهي أيضاً تأنقت .. أسدلت شعرها الأشقر في غنج، وتعطرت بسخاءٍ باذخ، علّ تلك النسمات في الأجواء رسولٌ أمين .. يحملُ له رائحة الطيب والياسمين التي تفوحُ منها بشدة ربما لتغويه ..

من يعلمْ ..!!؟

ربما يطلب يدها قريباً وينتهي عذاب السجن الذي تمكثُ فيه منذ أن أنهت دراستها الثانوية،

ومُنعت من دخول الجامعة رغم تفوقها، حتى لا تختلط برجالٍ غرباء ..

قوانين مدمرة لا تقبل الطعن أو النقض سّنها والدها وأخوها الكبير

ابتسمتْ له ابتسامة أودعتها كل أحلامها ..

حتى كادتْ تروي بالأمل خمس سنين عجاف قضتها تنتظر الفارس الذي سينشلها مما هي فيه .

فكرتْ بصمت ..

لمَ لا ..؟!

سأحاول غداً ليلاً أن أهرب من القلعة بعد أن ينام كل حراسها وسأقابله .. إنه يلحُ علي جداً

يبدو أنه طيب .. مخلص .. وسأكون معه .. زوجة في قمة السعادة .. لا شك بذلك .

فراسةُ المرأة قد تخونها أحياناً عندما تكون أسيرة الممنوعات واللاءات المتكررة.

عقدت النية بإصرار طائر في قفص يحلم بالحرية على مقابلته في ليلة غدٍ.

وأشارت له .. تُخبره بما عقدت عليه النية والعزم، وهي تتساءل .. لماذا غالباً ما يلوح لي بيده اليسرى فقط، ماذا يفعل باليمنى ..

هل هو مريض ويده لا تتحرك كما يجب …!

هل يُحضر شيئاً ..

ربما يأكل ..!! 

لا يهم ..

يكفي أنه كلما فتح نافذته ونظر إلي .. أربكَ كل كياني .. ويبدو أنني أحبهُ .

أغلقت النافذة مودعة ثم استسلمت لفراشها الدافئ وهي تحلم بالمستقبل القريب معه .

حب .. سعادة .. أطفال ..

تأكد فارسنا المغوار أنها أسدلت ستائرها ثم أغلق النافذة متأففاً ضجراً.

تلك اليد .. اليد اليمنى التي كانت مختفية تحمل هاتفه المحمول .. لم تتوقف عن إرسال الرسائل لغيرها،

وآخرها ..

” لا .. لستُ مشغولاً بشيء .. 

كنتُ أتناول العشاء فقط ..

أحبك ..

سأمرُ غداً صباحاً لاصطحبك للعمل ..

نعم أنت حبيبتي فقط ..

أنت كل النساء ..

سأنام الآن ..

تصبحين على خير ”

أغلق هاتفه المحمول وهو يتنفس الصعداء.

صوت .. مائع .. ملول .. من غرفةِ نومه بدأ يعلو ..

هي أنثى .. وجدها على قارعة الخطيئة، تبيع سلعة جسدها لمن يدفع أكثر كل ليلة ..

أين أنت ؟!

مرت نصف ساعة .. السرير بارد ..

رمى ساعته الأنيقة وخاتمه الثمين على الطاولة القريبة بلا اكتراث ..

خلع قميصه الأزرق الفاخر بسرعة ..

وبشبق مفرط أجاب .. قادم .. إنني قادم ..

وتستمر المهزلة كل ليلة ..

مثنى وثلاث ..

وربما ما ملكت أيمانكم ..

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman