الرئيسية / قصة / الوردة الزرقاء/ حنين الصايغ

الوردة الزرقاء/ حنين الصايغ

الوردة الزرقاء 

كنت أتكلم إلى رفيقي الذي يدير ظهره لواجهة الزجاج التي تفصل القهوة عن الزقاق حين رأيته واقفا هناك ينظر إلى الداخل… رأيت رجلا في العقد السابع من عمره يبيع الورود مساء السبت في زقاق ضيق يتفرع من شارع الجميزة.

توقفت عن الكلام وبدأت أتأمل وجهه، فجأة حوّل نظراته التائهة إلى وجهي، وأخذنا نحدق في عيون بعضنا لمدة لا تقل عن نصف دقيقة. كانت موسيقى العود والغناء صاخبة في الداخل، وكان هو يحمل باقة ورود في يده اليسرى ويضمها إلى صدره، ويحمل وردة واحدة في يده اليمنى. بعد أن توقفت عن الكلام وتاهت عينيّ لاحظ أصدقائي شرودي فاستداروا ليروا بماذا أحدق… عندها فقط رفع الرجل يده عارضا علينا شراء الورود…

لم يكن باستطاعتنا سماعه بسبب الزجاج الذي يفصل الطاولة عن الزقاق ولا أظن أنه قال شيئا. تحركت سريعا وناولت صديقتي التي تجلس بمحاذاة الواجهة ورقة نقدية لتعطيها له. فاستطعنا عبر التعاون أن نفتح الواجهة فتحة لا تزيد عن ٥ سنتم كي نمرر النقود… لم أكن أنوي أن آخذ مقابل النقود وردة، إلا أن الرجل سارع بتمرير وردتين عبر الفتحة الضيقة… كان من المتوقع أن يغادر بعدها فورا ولكنه بقي واقفا هناك يحدق بعيني بنظرات حزينة وثابتة… كنت أحدق بعيونه أيضا وكانت الدموع بدأت تتجمع في مقلتي وعندما بدأ أصدقائي بالتساؤل عما يريد هذا العجوز والضحك أمام الموقف ووقوفه غير المبرر، سحب وردة زرقاء وحيدة كانت مخبئة في وسط الباقة ومررها عبر الزجاج وهو يشير إليّ بأصبعه محاولا التأكيد على صديقتي أن الوردة لي. بقي واقفا حتى سلمتني الوردة.. أخذتها ووضعت يدي على قلبي فابتسم وسار بخطوات ثقيلة ليشق طريقه في عتمة الزقاق ويختفي بين مباني الجميزة القديمة.. كل هذا حدث في أقل من دقيقة ولكنه حتما سيبقى معي طوال العمر…

 

لم أر هذا الرجل من قبل، ولا أعرف ما أتى به إلى الجانب المغلق من تلك القهوة، وكيف أنا دون سواي رأيته ولاحظت وجوده في الظلام وكيف تواصلنا… وكيف وهبته ابتسامه بعد نهار متعب، وكيف وهبني دمعة وأنا في أشد الحاجة للبكاء…!

 

 

بقلم: حنين الصايغ

 

15/7/07

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman