الرئيسية / مقالات / تسونامي الهجرة واللجوء إلى أوربا/ خالد ديريك

تسونامي الهجرة واللجوء إلى أوربا/ خالد ديريك

تسونامي الهجرة واللجوء إلى أوربا

(تراجيديا اللجوء، رحلة الحالمين للانتقال من الجحيم إلى النعيم).

 

 

دقت القارة العجوز مؤخراً ناقوس الخطر، واعتبرت مفوضيتها لشؤون الهجرة، إن العالم لم يواجه أسوأ “أزمة لاجئين” منذ الحرب العالمية الثانية بسبب تهافت العدد الهائل وغير المسبوق للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين على أراضي بلدانها لتقديم طلب اللجوء والحماية، واستمرار عبور المئات حدودها يومياً.

 

وهناك مئات آلاف، وكل من له مقدرة مالية لدفع ثمن رحلته الغامضة على أتم الاستعداد للانطلاق من منصات وشواطئ وجزر نائية في تركيا واليونان وشمالي إفريقيا، تمهيداً لاقتحام وقطع واختراق الحدود البرية والبحرية والجوية لأوربا، في المسعى للوصول إلى عمقها الغربي والشمالي الغني والأكثر رفاهية.

 

اللاجئون اليوم,أكثرهم فارون من لهيب الحروب الأهلية والطائفية ومن قمع أنظمة بلدانهم , وأما المهاجرون دفعهم الفقر والمجاعة أو المشاكل الاجتماعية إلى هذا الاختيار,وغالبيتهم من دول الشرق الأوسط وإفريقيا ووسط وجنوب آسيا وفي مقدمتهم السوريون الهاربون من البرميل والقنص والرصاص ومن حد السيف والسكين والحرق والقمع,ومن مخيمات الجوار السوري التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة,لإهمال المنظمات الإقليمية والدولية لهم من جهة,وازدياد أعدادهم عن الطاقة الاستيعابية للمضيفين كالأردن ولبنان وإقليم ـ كردستان العراق إلى جانب انتقال الاحتقان الطائفي وتأثيرات الحرب السورية إلى الدول الجوار والتي تشهد حالة من عدم الاستقرار.

 

يواجه اللاجئ قبل الوصول إلى المبتغى خلال رحلته مخاطر جمة، بسبب سرية الهجرة (تهريب فيه الكثير من الاتجار والسمسرة) واستغلال المافيات وتجار البشر لهم، وهي أشبه بحالة تجارة الرق والاستعباد، إنها رحلة الموت والحياة.

 

ليس خافياً بأن آلافاً قضوا غرقاً وسط المحيطات والبحار والأنهار، أو قنصاً على الحدود وبين الأسلاك الشائكة، أو برداً في الغابات والوديان والجبال، وأخيراً ماتوا اختناقاً في حاويات شاحنات مغلقة في وسط أوربا.

 

وعقدة الوصول لا تنتهي بمجرد دخول إلى أراضي الاتحاد الاوربي,فمن لم  يرافقه ويوفقه الحظ وعرض للاعتقال في مداخل وعند أبواب الدول الشرقية  الفقيرة لأوربا,سيجبر على أخذ البصمة منه حسب “اتفاقية دبلن” للجوء الاوربي, أو سيعاد عنوة إلى البلد الأول الذي بصم فيه,فيما لو حاول الهرب إلى دول غربي أوربا, ناهيك عن التعامل الغير الإنساني أثناء الاعتقال في بعض الأحيان, ولافتقار دول شرقي أوربا إلى شروط اللجوء أسوة بدول غرب القارة.ففي دول غربي أوربا هناك معايير لحقوق الانسان والحماية والرعاية,يتم تقديم المعونات الاجتماعية  والتأمينات الصحية والعجزة وتوفير المأوى والمسكن  المناسب وفرص تعلم اللغة وفرص عمل بعد اكتمال مدة الاندماج.

 

هذا النعيم الغربي، كما يتصوره الحالمون للوصول إليه، يواجه قاصدوه الكثير من التحديات، حتى لو وصلوه بدون بصمة وبسلامة. واللاجئون هناك ينقسمون إلى فئتين:

 

 

 

1ـ  الحاصلون على تصريح  الإقامة الدائمة,وبغض النظر عن أوضاع  وأوجاع الغربة وحنين للوطن,وما فيه من اختلاف كبير في العادات والثقافات واللغات الذي يصعب على البعض التأقلم مع وضعه الجديد,وخاصة من تجاوز العقد الرابع من العمر وإصرار  هؤلاء على التمسك بالثقافة الشرقية(ثقافة الموطن الأول ) دون بذل جهد لخلق التوافق بين الاثنين والاستفادة من الإيجابيات الكثيرة في الغرب,إضافة إلى مستقبل غامض ينتظر الأطفال لأنهم سيصبحون بعد 20 عاماً أوربيون من أصول شرقية (عربية ,كوردية …وإلخ) أي قد ينقطعون كلياً عن وطن آباءهم إنهم سيكونون ثروة للبلد الذي رعاهم ومنحهم كامل الحقوق والجنسية,علاوة على اكتسابهم الثقافة الاوربية تشبعهم بها, وأغلبهم لن يعودون إلى وطن أجدادهم وحتى لو أصبح من جنات الأرض.وهناك أمثلة كثيرة بين الجاليات المختلفة التي تعيش في الغرب الاوربي والأميركي منذ عقود بل وقرون. وكما أن العقول المهاجرة وطلاب الجامعات سيخدمون وطنهم جديد وهي خسارة لأوطانهم الأصلية ومن يشرب من ماء الحرية لن يعود بسهولة إلى الشرق المتسكع.لكن الأعداد الهائلة من اللاجئين السوريين هذه المرة، أشبه بتسونامي بشرية، وينذر بخطر مخيف بترك ظلاله على المستقبل.

 

معظم هؤلاء السوريون لو لم تضيق بهم كل السبل، لو لم تسد أغلب أبواب دول الشرق والأشقاء أمامهم، لما جازفوا بأنفسهم وأرواحهم والتجئوا إلى الغرب البعيد رغم المخاطر.

 

2ـ الحاصلون على الإقامات المؤقتة في بعض الدول الاوربية، هؤلاء مقيدون عن الحركة والنشاط ومجردون من حقوق العمل والتملك والبيع والشراء والسفر خارج البلد، هم أشبه بحالة الكرد الأجانب المجردين من الجنسية في محافظة الحسكة السورية، هؤلاء ضمن خانة “رفض اللجوء” ولكنهم محتاجون إلى الحماية الإنسانية وسيعادون إلى بلدهم الأصلي فور تحسن الأوضاع هناك.

 

وهذا قد يستغرق بضعة أعوام وربما عقوداً بدون حقوق أو إذا تمكنوا من إعالة أنفسهم قد يغير وضعهم بمنح إقامة إنسانية دائمة وشروط العمل أيضاً صعبة لهؤلاء.

 

بقدر ما هي أوربا فرصة جيدة لتنمية المواهب، والظفر بالدراسة المتقدمة والتحصيل العلمي وفرص العمل والتكوين الذاتي والشعور بالحرية والجو الديمقراطي من خلال الأنظمة والقوانين التي تنظم الحياة وتحترم الإنسان، بعيداً عن المراقبة والأساليب القمعية، هي بذات القدر تكون سبباً لضياع الهوية على المدى البعيد بعد حصول حالة الإشباع من ثقافتها، خاصة الأطفال، فكيف عن موجة هجرة السوريين بشكل جماعي وبأعداد غير مسبوقة؟ إنها هجرة اقتلاع من الجذور، وقد يتحول بعض منهم إلى ثروة وطنية ويعودن إلى بلدانهم يوماً ما إذا تمسكوا بوطنهم الأم.

بقلم. خالد ديريك

 

الأحد، ٤ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٥

صحيفة الحياة

http://www.alhayat.com/Opinion/Letters/11453989/%D8%AA%D8%B3%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7

 

 

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

واحة الفكر Mêrga raman