الرئيسية / قصة / ثلاث لوحات/ شيخة حسين حليوى

ثلاث لوحات/ شيخة حسين حليوى

شيخة حسين حليوى

ثلاث لوحات
(من مجموعة سيّدات العتمة)

ناعم وأسود. وهي سوداء ناعمة.
هذا الفستان الأسود الناعم يُشبهُ حياتي.
أفتحُ خزانة الملابس فيطلُّ بعتمته ليُرتّب تفصيلا جديدا غاب مع الأيّام. إلى متّى سأحتفظُ بهِ؟
حتّى تكتمل الصّورة والذكرى؟ وما حاجتي للذكرى؟ الصّورة. ليست مركّبة أو معقّدة وليست ناقصة أيضا. صار عمري سبعة عشر عاما. ابن عمّي يكبرني بثلاثة أعوام. أنا لا يقتلني الحبُّ. الانتظار يزعجني. انتظار حدث ما. الزّواج سدّ فراغ الانتظار. لا أكثر. هذه صورة في غاية البساطة. لا أحتاجُ أكثر من دقيقة لأنهيها.
تفاصيلُ اللوحات الثلاث قد تحتاجُ لساعتيّن. ولكن لا أحد يسأل تقريبا.
وفستان الحنّاء أحببته أكثر من فستان الزفاف الّذي استعرته من ابنة عمّي.
ينثال من الخزانة وتنثالُ معهُ روائح شتّى. تخمّرت بفعل الزمن وصارت تصفعُ الأنف بألف حكاية صغيرة. هل كان من اختياري؟ فستان الحنّاء أسود وأنا أعشقُ الأسود. أردته خاليا من أيّ زخرف. بسيطا ناعما طويلا. وهو كذلك. هل تحتفظ النّساء بفساتين الزّفاف والحنّاء؟ لأيّ غرض؟
كنتُ أعرفُ أنّ هذا الأسود سيتجاوز الصّورة والذّكرى والتّفاصيل.
أحملهُ معي في كيس كبير كلّما زرتُ النّاصرة أو حيفا. لم يكن لديّ أيّ فكرة كيف سأتصرف به. مرّة كدتُ ألقي به في حضن متسوّلة شابّة وجميلة. نظرت إليّ بغضب شديد.
– هذا أبشعُ ما في التسوّل. أن أعود بفستان فات أوانهُ أو زجاجة عطر باهت أو بقايا صحن. كلّها سواء.
أعدتهُ إلى الكيس قبل أن يراني أحد. ثمّ ضحكتُ وأنا أتخيّلُ المتسوّلة تمدُ يدها للمارّة بفستان حنّاء أسود. تذكّرتُ يدي الممدودة للمحنية. رسمتْ عليها لوحة جميلة. خطوطا متداخلة ومعقوفة ومتدلّية.
لوحاتي الثلاث جميلة أيضا.
الصدفة هي التي صنعتها. وليس الانتظار. ليس الفراغ أيضا.
الفراغ كان ضرورة كي تكتمل اللوحة. قماش أسود ناعم نظيف وفارغ من أيّ زخرف. هل هو كذلك؟ سألتني الفنّانة الشّابة.
نعم هو كذلك.
جيّد أحضريه معك وسأرسم لك ما ترغبين به.
لم يكن في رأسي ما أرغبُ به. لم يكن ما يكسر السّواد ويملأ الفراغ.
تحبين الورود؟ نعم ومن لا يحبها.
تحبين الحيوانات؟ نعم ومن لا يحبّها.
سأرسم ثلاث لوحات. قماش الفستان يكفي لثلاث لوحات. واحدة لأيائل ترعى العشب واحدة لزهور بيضاء وأخرى لورود حمراء. هل يعجبك ذلك؟
أحبّها أكثر من الحائط وأكثر من زاويتي بجانب الراديو وعلبة الدّواء.
ما زالت تنثالُ منها روائح شتّى. تخمّرت بفعل الزمن وصارت تصفعُ الأنف بألف حكاية صغيرة.
ما عدتُ أشّمها. أراها فحسب ولا يراها غيري.

 

 

بقلم: شيخة حسين حليوى

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman