الرئيسية / مقالات / دخول مدرسي وجامعي بطُعم كوفيد 19 (كورونا) / بقلم: د سعيد كفايتي

دخول مدرسي وجامعي بطُعم كوفيد 19 (كورونا) / بقلم: د سعيد كفايتي

                                      دخول مدرسي وجامعي بطُعم كوفيد 19 (كورونا)

                                                    بقلم: د سعيد كفايتي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اقترن الطُعم أو النُكهة في وعينا أو لاوعينا الجمعي بالحلويات أو المثلجات التي قد نلتهمها بشراهة وبدون اعتدال في فضاء ما. وقد يتحايل الواحد منا، نكاية في مرض السكري، ليقتنص مثل هذه اللحظات السعيدة، ويختار مبتهجا النُكهة أو الطُعم الذي يجد رضا في نفسه.  النكهات كثيرة ومتنوعة. والجميع يعرفها كلها بالاسم أو يعرف، على الأقل، البعض منها.

كان هذا الأمر صحيحا مائة بالمائة قبل أن تُطل علينا “كورونا” بعنُقها، وأن تشحذ أظافرها المسمومة لتفتك بمن يقع بين يديها أو لتبُث الرعب والهلع بين الناس.  رُعب تفنن بعض إعلاميينا في صنعه طلبا لجمع المال، وأصبح لدى آخرين أشبه بالقيامة الآن.  نحن الآن في ظل هذه الظروف القاتمة أردنا أو أبينا نتذوق طُعما جديدا لا عهد لنا به، طعما لم يكن له وجود في قائمة علماء المستقبليات أو المنجمين. أقصد ها هنا طُعم “كورونا” السمج والسيئ الذكر.  ومناسبة هذا الكلام هو الدخول المدرسي والجامعي الذي اُريد له أن يكون عاديا، وفي وقته المألوف، وذلك على الرغم من أن كل المؤشرات الظاهرة منها والباطنة تقول عكس ذلك.  فالإقبال على شراء الأدوات المدرسية كان أقل بكثير مما هو متوقع. واللهفة على اقتناء الملابس تراجعت إلى الخلف ليحل محلها الحرص على شراء الكمامات وقنينات السوائل المطهرة. بهجة الدخول المدرسي التي كانت عيدا سنويا خبا بريقها أمام الإجراءات الاحترازية التي تم احترامها بدقة متناهية في الأيام الأولى، والتي قد تصير عبئا ثقيلا مع مرور الأسابيع. بعض العادات الموروثة في التصافح والتقارب تستلزم بعض الوقت للتخلي عنها. ولا ننسى أن بعض شبابنا المتمدرس قد لا يكترث من باب التهور بمثل هذه الإجراءات وإن كان يعلم حق العلم أنها في صالحه. وقد نصادف نحن في المغرب مشاكل إضافية قد لا نجد لها نظيرا في فرنسا والدول الغربية. وهو الأمر الذي يُعقد عمل الوزارة الوصية، ويجعل من الإشراف على جميع المؤسسات العامة منها والخاصة إجراء صعبا ومضنيا ومكلفا.  يجب أن نعترف أن خيار التعليم الخصوصي الذي اتبعه المغرب في سياق تاريخي معين كان خيارا سيئا. وقد ظهرت للعيان الكثير من عيوبه خلال هذه الفترة الحرجة من تاريخ العالم.  سيكون من المثالية المفرطة أن تكون هناك مطالبة باجتثاثه أو دعوة إلى إيقاف زحفه. فقد صار جزءا لا يتجزأ من نظامنا التعليمي. فالمشهد السائد الآن هو انتشار المدارس الخاصة مثل الفطر في مختلف أحياء المدينة الراقية منها والمتوسطة والشعبية أحيانا.  وقد يقطن الطفل في حي ما ويدرس في مدرسة تقع في حي آخر تفصل بينهما العشرات من الكيلومترات. بهذه الطريقة تم ضرب مبدأ القرب الذي كان يتم احترامه في عهد سابق حيث كان لا يخلو أي حي كبير أو متوسط من مدرسة عمومية شاسعة. هذا دون الحديث عن المئات من سيارات النقل المدرسي التي تذرع المدينة طولا وعرضا، وتزعج الخلق بزعيقها المستمر. وإذا كان من المسموح به في الزمن العادي أن يقل هذا النوع من النقل ما شاء من التلاميذ، ولم يكن لأحد آنذاك الحق في الاحتجاج أو في التذمر. فما السبيل الآن لتجاوز معضلة الازدحام الذي صار غير مقبول؟   إنه نوع جديد من الارتباك تعيشه المدارس الخاصة بدرجات متفاوتة.

أما العنصر الثاني فهو أن نسبة كبيرة من المدارس الخاصة هي، كما يعلم الجميع، أشبه بمنزل شخصي يتألف من طابقين أو ثلاث طبقات.  فعن أي تباعد نتحدث إذا كانت المدرسة الخاصة على درجة كبيرة من الضيق؟ وعن أي تهوية نتحدث إذا كان هذا هو حالها؟ لنأخذ العبرة مما نعيشه في الوقت الراهن لتكون شروط فتح مدرسة خاصة في المستقبل أكثر صرامة.

الجميع مُستاء. الآباء وجدوا أنفسهم منساقين، رغم أنفهم، لاختيار التعليم الحضوري. ليس حُبا في سواد عيونه. فهم يعرفون أن دولا عربية أغنى منا من حيث الموارد المالية وتتوفر على إمكانيات هائلة في التطبيب والتمريض لم تجد أي حرج على الإطلاق في التمسك بالتعليم عن بعد، وأن تجتهد في تطويره ليحقق بعض النجاح.  لا أحد يُمكن أن يتكهن بما سيقع غدا. لكن يقول المثل الشعبي “الحضا يغلب القضا”.

كورونا أربكت أيضا السير العادي في الجامعة المغربية، وبعد أن كانت تغص بالطلبة، وتشهد على مدار العام أنشطة علمية مختلفة، أصبحت بين عشية وضحاها فضاء مهجورا لا يتحرك فيه إلا القلة القليلة من المسؤولين أو بعض الإداريين.  لم يحدث تأجيل امتحانات الدورة الربيعية إلا في حالات نادرة ولأسباب معينة.  وكانت تجربة “التعليم عن بعد”، رغم كل ملاحظاتنا السلبية عليها، ناجحة إلى حد ما بسبب أن المستفيدين منها هم من الراشدين. ويمكن مع مرور الوقت تجاوز الكثير من الثغرات، خاصة إذا ما أقدمت الوزارة على تقديم عروض شراء معدات إلكترونية لصالح الطلبة بأثمنة مناسبة، وإذا عمدت إلى تزويد المؤسسات الجامعية بمنصات في المستوى المطلوب مثلما هو الحال في جامعة الأخوين مثلا أو كبريات الجامعات الغربية. فقد تم في نهاية المطاف إنقاذ السنة الجامعية الفارطة. وكان من الضروري إجراء الامتحانات.   ويلاحظ المترقب بإعجاب كبير كيف تجندت الجامعات المغربية برؤسائها وطاقمها التربوي والإداري للتوفيق بين إجراء امتحانات حضورية وتقريب مراكز الامتحانات من الطالب. فترى أن المؤسسة الجامعية الواحدة تُحدث العشرات من المراكز المنتشرة هنا وهناك. وما كان لهذه الخطة الناجعة لتنجح لولا تضافر جهود الجامعة بجميع مكوناتها والسلطات المحلية والمجالس البلدية والقروية والمجتمع المدني ومختلف إدارات الدولة.

لا يمكن في مثل هذه الظروف إلا أن نُثمن الجهود الاستثنائية التي تُبذل، والتضحيات الكبرى التي يقوم بها الأساتذة متنقلين أحيانا من مدينة إلى أخرى للمشاركة في الامتحانات. لا يمكن إلا أن نفخر بمسؤولينا الذين رفعوا شعار التحدي، وخرجوا من مكاتبهم ليسهروا بأنفسهم على إنجاح هذه المحطة الأساسية في مسار الطالب.  لكن في الصورة الأخرى من المشهد، ومهما نُحاول أن نكون متفائلين ومتسلحين بالأمل، تنتصب أمام أعيننا نعوش أعضاء من أسرة التعليم العالي غيبهم الموت. وتشاء الأقدار أن يلحق الواحد منهم بالآخر في أقل من عشرة أيام وكأنهم كانوا على موعد مسبق.  يا لها من خسارة كبيرة.  تغمدهم الله برحمته الواسعة، وأسكنهم فسيح جناته.  ألم أقل لكم في البداية أن الدخول المدرسي والجامعي جاء هذه السنة بطعم جديد، طعم كوفيد 19، طعم الموت والفاجعة والترقب والتخوف والإشعاعات، والأكاذيب والنشرة اليومية وأعداد الإصابات، وأخبار إغلاق هذه المدينة أو تلك. نسأل الله السلامة.   والله يخرج سربيسنا بخير.

د سعيد كفايتي

جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس ـ المغرب

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman