الرئيسية / قصة / رؤيا …/ بقلم: غفران سليمان

رؤيا …/ بقلم: غفران سليمان

 

 

 

 

 

 

 

 

رؤيا …/ بقلم: غفران سليمان

ــــــــــــــــــــــــ

اعتدت على قراءة أخبار العظماء في كل العصور، وكنت أنبش قبورهم وأقرأ على رفاتهم أخبارهم، وأتحدث معهم ويسرون لي بما خفي منهم، كانوا يعشقون براءة وجهي، وابتسامتي الودودة، لم أكن أذكرهم بمواعيد غزواتهم ولا موائد إفطارهم فقط كنت أنقب في عزة نفوسهم عن كنز أستثمره لحياتي، لم يبخلوا على ولم ينسوا حادثة مرت بهم ولا حتى اسم صديق أو عدو، تعرفت على محبوباتهم، وعلى لحظات غضبهم، أمطروني بأعاصير حزنهم، وسقوني من آبار أفراحهم…

لم يكن الوصول إلى نبش قبر عنترة بن شداد بن قراد سهلا، ولم أكن أتوقع الوصول إليه يوما لكنني فرحت حين ابتسم لي وأخبرني أنه الشاعر العاشق، وأنه سيحبني ويخلص لي كما أخلص لابنة عمه وكم أنا  محتاجة في زمني هذا الإخلاص  افتقدناه، وعذوبة جفت من حياتنا ، عنترة فارسي اليوم وفارس قومه ، معلقته  شهادة خالدة برقي تفكيره، شهد العرب عندما كانت تقبل شهاداتهم  أنها أفضل ما قيل، قابلني بلون وجه أبيض، وأصابع ناعمة، ذقن مشذبة، عانقته لزمن ربما سنة في لغة القبور وما ارتويت، كان بريئا، وأراد أن يتملص من بين يدي امرأة لا تعرف ليلى ولم تتقن لغة الصحراء، وما عرفت من حبيبيها إلا الموت بعد أول لقاء، فأنا ابنة الحروب ولا أثق بالزمن ، اليوم لي وغدا لا يعلمه إلا الله …أنكرت عليه معرفتي بفارس أبيض يعرف بعنترة وقلت له: لقد كان عنترة  عبدا أسودَ!؟

من أنت؟

أتكون داعشيا نادم وتتخفى في قبر الأبطال؟

أو تكون بطلا قتلته البطولات بلا أعداء…

أو أنت صديقتي هيفاء بزي شاب جميل لم يشبهه أحد إلا ذكرى يوسف في الكتاب.

قل لي أحقا أنت عنترة ابن شداد؟

 

– بنبرة حزن وعتب قال لي: حتى أنتم بعد كل ما مرّ من عصور مازلتم تسمونني عبدا وقد عرفتموني بطلا وتناسلتم ممن أنقذهم سيفي.

-أرجوك لا تؤاخذني على جهلي وأقبل حقا اعتذاري وأخبرني عنك، لقد أنقذك القبر من العبودية والسواد ولكنني لم أتخلص من رغبتي بمعرفتك وعن كل الأسباب التي رافقتك في السلم والحرب والعشق حتى الممات…

 

– بابتسامته العريضة من بين شفتين غليظتين قال لا عليك فأنا شريف ولا أحقد، وكذلك لم أغضب يوما في معركة لأن الغضب فتاك بصاحبه ويمنعه من التركيز ولو رافقني لما وصلت إلى مبتغاي

 

– بدهشة وإعجاب وبفلسفته قلت: حدثني عن قومك؟

آه يا سيدتي الجميلة أنجبني كريم قوم من أمته وكان من قوم كرام، عرفوا بقوم عبس وهم من علّية العرب، وممن يجالسون الملك، وكان أبناء عمومتي من ندماء أولاد ملكنا زهير …

-أستغرب أنك تتحدث عنهم بمودة وحب وكأنهم أنصفوك، لو كنت مكانك لتركتهم بعد أن بالغوا في الخذلان ولم ينصفوك، علما أنك رددت عنهم كل غزو، وقتلت من أراد سبي نسائهم.

-نعم كنت في قوم لا أخالفهم، وكان أولادهم فرسانا وأنسابهم تعود إلى جذور القبائل العر بية، وقد عشت معهم ولم يعتبروني إلا عبدا، ومنعوني من الزواج بحبيبتي بحجة أنهم لا يزوجون ابنتهم لعبد… لم أكن إلا راعيا لجمالهم، وأغنامهم، حتى بعد أن خلّصت أولاد الملك من أسر، وقتل، وكنت وأخي شيبوب جيشا كاملا،

وكافأني الملك بفرسٍ، وجالسني ولكن بقي لي من الأعداء ميراث قوم لم تمحه قوتي، أنساب العرب لا تقبل عبدا مثلي ابنا.

– أثقل عليك بحديثي لكن أخبرني كيف كنت ترد جيشا بمفردك، ومن أين جاءتك تلك القوة. أظنه الحب يا عنترة؟

-لا تظنيني لينا ويهزمني حب لا إنني أبدو لينا ناعما كجلد أفعى ساكنة، ولكنها تندفع كالرعد وتختزن السم في أنيابها وسرعان ما تحقنه فريستها به وكان كل من يهاجم قومي كالنعمان وغيره فريسة سائغة لي.

ما إن يقترب مني عدو حتى أسقيه السم الذي لا يبرأ منه…

كنت أخوض المعارك فارسا وحيدا لكنني مسكون بمئات الرجال الأشداء، لهذا كان الفرسان من الأعداء يتفرقون ويهربون من أمامي ومن أمام سيفي وفرسي كالفئران… أعتز بنفسي وبقوتي، وما كنت في المعركة إلا قابضا على نفوس المحاربين الأعداء، وما كان لفرسان قومي أي أثر في النزال، وحدي أزهق أرواحهم، ليترجل فرسان القوم ويسلبوا ما ملأ الساحات من سيوف وخلع… ويتركوا لحوم الأعداء للطير طعاما وعظامها للوحوش فرائس جاهزة وتنظف الساحة ويهدأ الغبار …

– كم أحبك وأتمنى لو كنت عبلة زمانك يا عنترة فانت مليء بالإنسانية، طيب القلب، لا أصدق هذا اللطف منك، لقد أحببتك كما لم أحبّ بطلا.

– لن أصدق غدر السادة لطالما وعدوني وأخلفوا…

عندما كنت في قومي حنوت على الصغير والكبير، ولم يتكفلني أحد منهم. ومع حزني كنت أصبح جنيا إذا اقترب من قومي عدو يركب لقتالنا. لم أكن لأترك غازيا يقترب من قومي رافعا سيفه يرى بعيونه، ولا يسمع بأذنيه، ودائما أرد الطعنات إلى قلبه ولم تسلم صدور خيلهم ولا أعتى رجالهم.

ماكنت لأسعد بلقاء أحد كلقاء شاعرنا وبطلنا عنترة الذي كانت رمال الصحراء تعانق السماء بمرور فرسه.

-بضحكة خجولة يرد علي: نعم كيف عرفت لقد كان الغبار يشهد لي وكذلك السيوف، والملوك، وكل من عاش في قبائل العرب من نساء وفتية وفرسان شهدوا لي أنني بطل الساحات وأسد الغاب، بلا أنياب إلا سيفي

ولكنني عندما طالبت أبي بمكافأة على كل ما بذلته وما كانت إلا نسبه وجعلي ابنا له لا عبدا

بدا وكأنني طالبته برفع السماوات والأرض ورفع أبي السيف وأراد أن يقطع رأسي… تركته وذهبت إلى ابن الملك لينصفني لكنه مثلهم مسكون بالتمييز بدأ يؤنبني لطلبي فالعبيد في عرب الجاهلية يبقون عبيدا ولو كانوا غطاريف العرب، وزينة الشباب شرفا وكرما، والأصيل يكنى بالأمير ولو كان مختبئا كالنساء …

– سررت بلقائك، وسوف أزورك مرارا إن سمحت لي

اليوم نزلت إليك على حبال قصيدتك لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب…ما أنا إلا عبلة التي أحبتك كما أحببتها وتألمت كما تألمت، تعال لنتعانق هنا لن يمنعنا أحد…لم يعد حبك عذريا بعد أن سجنتني معك في القبر

، ضمني وكاد يكسر عظامي قائلا: لن أدعك بعد أن مللت انتظارك دهورا، لكنني الآن بعدما امتلكتك أشعر أنني فقدت قوتي، وما عدت أقوى على حمل السيف.

ربما هاتفي المحمول رن لساعة وأنا أغط في نوم عميق كم كان حلما جميلا، تحول إلى كابوس.

غفران كوسا

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman