الرئيسية / إبداعات / عرسُ الزهرِ … ينتظرُ سواعدنا/ بقلم: مرام عطية

عرسُ الزهرِ … ينتظرُ سواعدنا/ بقلم: مرام عطية

 

 

 

 

 

عرسُ الزهرِ … ينتظرُ سواعدنا/ بقلم: مرام عطية

_______________________

في وطني بحرٌ لا يجف من الألم، لا يسكنُ إلاَّ قلوبَ الناسِ الأنقياءِ، منذُ عقودٍ يهربون منهُ فيلاحقهم في طعامهم وشرابهم، في ملبسهم وعملهم، يزرعون ثراهُ قمحاً وياسميناً فيغرقها زبداً ويذروها للرياحِ، بحرٌ لا ضفافَ أمانٍ له، ولا هدنةَ يعترف بها، أمواجهُ العاتيةُ تصفعهم أنَّى اتجهوا، وفي أي جهةٍ ألقوا رحالهم، ملوحته تجففُ النضارةَ في الحقولِ، تسرقُ الفرحَ من بياراتِ الليمون والصنوبرِ.

يا لأساي !! كم مرةٍ رأيتُ أشجارَ الزيتون المترعةَ بخوابي الحبِّ تذرفُ الدموعَ لخيبتها في إسعادِ الفلاحينَ رغم ما تحملهُ من ياقوتٍ وزمردٍ!

بحرٌ بالغُ المرارةِ تنحدرُ قسوتهُ من أقاليمِ الشمالِ في بلادِ العمِّ توم، يتسللُ كأفعى في مسامِ عقولهم، يدلفُ حاملاً العتمةَ والأمراضَ، مزهواً بشبكاتهِ المسمومةِ وإكسسوارتهِ الفارهةِ كقبورٍ مكلَّسةٍ، ذاراً الرمادَ في العيونِ؛ ليصطادَ بصنارتهِ الماكرةِ المساكينِ والأبرياءَ

لا تسلْ ما اسمهُ يا صديقي ، سمَّه ما شئتَ ، فهو ليسَ عدواً واحداً إنَّما بحرٌ من جنونِ الغطرسةِ ، رياحهُ عمياءُ لا تبصرُ دموعَ الطفولةِ ، صمَّاءُ لا تسمعُ أنينَ المفجوعين ،  خرساءُ عندَ الحق ، بحرٌ خرافيٌّ لا لونَ له ولا شكلَ إلاَّ ما يزفرهُ في الأجسادِ والأرواحِ من قيحٍ ونتنٍ  يلفُّ عصابةً سوداء على رأسهِ الأحمقِ، وما إن يبلغُ تخومَ  موطني حتى يستقبلهُ ببهجةٍ عارمةٍ نهرٌ من الجشعِ اللامتناهي و الأثرةِ العقيمةِ في قصورٍ الظلمِ ، ومصانعِ البؤسِ،  يتكوَّرُ متسكعاً كذئبٍ مفترسٍ على دروبِ رزقنا يقتاتُ مقدرات نفوسنا ، ويسرقُ كنوز أرواحنا ،ثمَّ يرميها كبقايا فضلاتٍ في زاويا الإهمالِ

بئسَ ذلكَ النفقُ الذي يمخرُ عبابهُ الموتُ وتحملُ سفائنهُ لصروحنا ومدارسنا الخرابَ والدمارَ

ألاَ هبَّ يا وطني نسراً شامخاً لأجلِ عاشقي الشمسِ وغارسي الحياةَ في السهولِ والجرودِ، صُن دماءَ الشهداءِ وجفِّفْ مستنقعاتِ الحزنِ في أفئدة العصافير، ولأنكَ سليلُ أمجادٍ وحضارةٍ اردمْ وديانَ الانكسارِ العميقةِ في نبضِ النخيل الصامد؛ فقد طالَ الظلام، وثقلتْ أجفانُ الصباحِ، ففي غاباتِ الشقاءِ صراخُ الطفولةِ ينادينا، وفي حقولُ الفرح البعيدةُ عرسُ الزهرِ ينتظرُ سواعدنا الفتيةَ.

____________

مرام عطية

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

واحة الفكر Mêrga raman