الرئيسية / مقالات / عندما تأكل الثورة أبناءها/ بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

عندما تأكل الثورة أبناءها/ بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

عندما تأكل الثورة أبناءها

بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

………..

تأكل الثورة أبناءها تماما كما تأكل القطط صغارها. وقصص الثورات والانقلابات في العالم أكثر من حصرها في سطور قليلة. لقد شهد العالم الكثير من الشراكات في قيادة الثورات والانقلابات والثورات المضادة في حقب متعددة والقاسم المشترك بينها جميعا هو أكل الثورات لأبنائها وتصفيه القادة لبعضهم بأكثر من طريقة. لقد أُطلق هذا الشعار رسميا مع انطلاق الثورة الفرنسية التي ارتوت من دم قادتها قبل أعدائها تلتها الثورة البلشفية والثورة الإسلامية في ايران وباكستان والحكم الاسلامي في تركيا والثورة الشيوعية في الصين وأمريكا الجنوبية وكوبا. لقد تخلص الرفاق من بعضهم بالتدريج وبأساليب مختلفة تفاوتت بين الدبلوماسية والدماثة والعنف، والثورة الفرنسية كانت مثالا يكرر الأحداث نفسها.

 

يحكى أنه بين عامي 1789 و1799، عاش الفرنسيون على وقع ثورتهم التي شهدت خلال سنواتها الأولى أحداثا مهمة متسارعة مثل سقوط الباستيل والزحف على قصر فرساي والهروب نحو فارين واجتياح التويلري وإعدام الملك لويس السادس عشر.

وخلال عشر سنوات من بداية الثورة الفرنسية، لعبت العديد من الشخصيات الفرنسية، من أمثال جورج دانتون وماكسيمليان روبسبيار وميرابو وجان بول مارات وجاك بيار بريسو وجان سيلفان بايي دورا هاما في إنجاح الثورة واطلاقها قبل أن تهوي المقصلة على رؤوسهم واحدا تلو الأخر خلال عهد الرعب بين عامي 1793 و1794. ومن بين الأسماء التي شهدت نهاية تراجيدية، يأتي اسم كامي ديمولان الذي لعب الدور الأهم في إشعال فتيل الثورة الفرنسية قبل أن يقطع رأسه بالمقصلة مطلع شهر نيسان عام 1794 خلال فترة الجمهورية الأولى إذ أنه في حدود الساعة الحادية عشرة صباحاً من يوم 12 تموز عام  178، أقبل المحامي والصحافي الفرنسي  كامي ديمولان مسرعاً نحو مقهى دي فوي بقصر الكاردينال  المعروف أيضا بالقصر الملكي  قادماً من قصر فرساي ليصعد فوق المنصة ويباشر بإلقاء كلمة حماسية. وخلال خطابه للجماهير، أعلن ديمولان عن طرد الملك لويس السادس للوزير جاك نيكر المقرّب من الشعب وخيانة الأرستقراطيين للوطنيين مؤكداً على استعداد القوات الأجنبية السويسرية والألمانية الموالية للويس السادس عشر لمغادرة ساحة شون دي مارس لقمع الاحتجاجات بالحديد والدم.

ونتيجة الوضع المستجد، طالب هذا المحامي والصحافي الشاب البالغ من العمر 29 عاماً أهالي باريس بحمل السلاح وأشهر مسدسه في وجه عدد من رجال الشرطة الحاضرين في المكان معلنا عن استعداده للموت في سبيل الثورة    لعب هذا الخطاب الحماسي الذي ألقاه كامي ديمولان دورا هاما في تغيير مستقبل فرنسا  فأثار غضب الباريسيين الذين لم يترددوا في الحصول على البنادق من منطقة ليزانفاليد قبل التوجه نحو سجن الباستيل للتزود بالبارود يوم 14 تموز 1789 لتشهد فرنسا في ذلك اليوم حدثا هاما  سمّي بسقوط الباستيل ومثّـل نقطة اللاعودة في أحداث الثورة الفرنسية. ونتيجة هذه الأحداث لقّب المؤرخون كامي ديمولان برجل يوم 14 تموز. في نفس العام 1789، أصدر كامي ديمولان صحيفته التي حملت عنوان الثورة الفرنسية ويومياتها وقد استمرت هذه الصحيفة بالصدور حتى شهر تموز 1791إلى أن تم حظرها عقب أحداث شون دي مارس. وتقلد ديمولان ما بين عامي 1792 و1794 منصب نائب لمنطقة السين بالمجلس الوطني وصوّت على قرار إعدام الملك لويس السادس عشر.

في عام 1793 أدان ديمولان إعدام النواب الجيرونديين وانتقد أتباع السياسي جاك رينيه إيبير بعد اتهامهم بالابتعاد عن أفكار الثورة وقيادة فرنسا نحو حمام من دم، كما أسس بمساعدة صديقه جورج دانتون جريدة “الاسكافي القديم ” في إشارة للطبيب المعتقل في الباستيل، والتي اعتمدها لحشد الرأي العام ضد أعمال العنف والإعدامات التعسفية التي عرفها عهد الرعب. وفي أواخر شهر آذار 1794، أمرت لجنة السلامة العامة الفرنسية باعتقال أتباع جورج دانتون  وعلى رأسهم كامي ديمولان  وقد جاء اعتقال الأخير عقب موافقة صديق طفولته ورفيقه في قيادة الثورة واشعالها ماكسيمليان روبسبيار  عضو لجنة السلامة العامة  على ذلك . و في مطلع شهر نيسان من نفس العام تم تقديم هؤلاء أمام المحكمة الثورية التي لم تتردد في إصدار أحكام بالإعدام ضدهم تماما كما أُعدم لافوازية  ، يومها قال القاضي ” الثورة ليست بحاجة للعلماء ”  .

قُتل كامي ديمولان بالمقصلة يوم 5 نيسان عام 1794، وعند وقوفه أمام المقصلة قال ديمولان كلمته الشهيرة: “هكذا يجب أن يموت أول رسول للحرية”، كما قدّم للجلاد تشارلز هنري سانسون خصلة من شعر زوجته وطلب منه أن يرسلها لأمّها.

الثورة تأكل أبناءها. هكذا فارق كامي ديمولان الحياة عن عمر يناهز 34 سنة وبعد 8 أيام فقط من مقتله على يد رفاقه لحقت به زوجته لوسيل ديمولان نحو المقصلة فأعدمت يوم 13 نيسان 1794، و لم يتجاوز عمرها 24 عاما بعد اتهامها بتدبير مؤامرة ضد الجمهورية الفرنسية الناشئة وثورتها الدموية.

إنه جنون السلطة والاستحواذ وجنون الانفراد بالسلطة. وقد عمد الروائي البريطاني تشارلز ديكنز إلى تسجيل يوميات الثورة الفرنسية في روايته الشهيرة ” قصة مدينتين ” .

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman