الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / قراءة سيميائية في قصيدة « سفر القلب …» للشاعرة د كريمة نور عيساوي/بقلم: بوزيان موساوي

قراءة سيميائية في قصيدة « سفر القلب …» للشاعرة د كريمة نور عيساوي/بقلم: بوزيان موساوي

قراءة سيميائية في قصيدة « سفر القلب …» للشاعرة د كريمة نور عيساوي

بقلم: بوزيان موساوي

ـــــــــــــــــــــ

أشعر أنني لا أقف إزاء القصائد إلا إذا أدهشتني وحركتني ارتكازاتها وحركت في داخلي ارتباطًا بين اللغة الشاعرية وبين انزياحاتها الفاعلة، ولا أتذكر من القائل: «أشعر الناس من أنت في شعره حتى تفرع منه»، فإذا ما عشتُ أنا في النص؛ فإن قلمي يخرج عن طوعي ولا أدري كيف يسوح. عبد الكريم عليان

 

وهذا ما حث لي فعلًا مع قصيدة “سفر القلب… ” للشاعرة المغربية الدكتورة كريمة نور عيساوي

 

ـ نقرأ النص:

 

«سفر القلب…

 

لما أيقنت من ولوجك حلمي

فتحت سفر قلبي

اجترحت لي لبنة

أحضرت مخطوطاتي الأزلية

دونت… همسات…

هسهسات

للعهدة الأبدية،

ثم مزقتك من قافية دواويني الأولية،

كلماتك حشرجات كرز الربيع

تلامس الشفاه الندية

المبللة برضاب الخيبات،

بعدما هاجرت براعم الصدق

ضع يدك فوق جسد الأمنيات

وتحسس زنابق اللقاء

على سعف الحلم،

الليل أسدل شراشفه

وأنت تراقب عودة النهار

تعال نلتقي على أهرامات الاعتراف

تعال نأوي لجبل…

يعصمنا من سيول الأنانية

نستلقي على سرير الإنسانية،

حياتنا عقد لا زردي…

حباته صقلتها لعنة شيطانية،

فغاب لمعانه في مزن الكبرياء

الحب غدا في حقوله مقبورا

العشق في أبراجه أمسى مبتورا

والصبابة ترقص على الركح

في احتفاليتنا هاته…

أعدم المخرج…

وأبيد الممثلون…

وأنا وأنت،

نراقب نهاية المسرحية،

الآن.

أعلنها صرخة….

مدوية…

لقد أغلقت سفر قلبي،

وأضعت المفاتيح في البحور اللجية. »

 

لماذا قراءة سيميائية؟

 

لأنها تعنى بدراسة الملفوظ (النص) كعلامات تتفاعل فيها علاقات الدال بالمدلول بشكل غير مألوف في الخطاب اليومي المباشر، وإذا كان الشاعر لا يتعامل مع اللغة تعاملًا بريئًا، لأنّه يستدعي الألفاظ وينسجها بطريقة مقصودة، فإن القارئ مطالب بأن يكون حاذقًا في فك شفرات النصوص بالدفع بكل كلمة إلى مجال تنكشف فيه الدلالات الخفية التي لا تتمظهر على سطح النص، ويؤول الأمر في النهاية إلى قراءة القراءة وإلى دلالة الدلالة، وهو ما يستدعيه النّص الأدبي، حتى يبقى ديناميًا ومفتوحًا على التأويل (كما كتبت الباحثة كريمة حميطوش)..

 

إملاءات الوجدان والفكر:

 

بدءً من العنوان إلى آخر سطر من النص، استوقفتنا «ىسيمات» (sèmes) تنتمي إلى نفس الحقل المعجمي والدلالي… هي ليست مجرد مرادفات لمفردات كما في أسلوب البيان، بل إيحاءات شعرية تغلب عليها إملاءات الوجدان في الظاهر، وتستند في عمقها على مرجعيات فكرية لاهوتية، وميثولوجية/ أسطورية، وأنثروبولوجية، ووجودية/ عبثية.

 

تتجلى في هذا النص بوضوح ظاهرة تسترعي اهتمام المتلقي وهي شيوع مفردات مثل: «سفر» (سفر القلب… فتحت سفر قلبي…)، و «مخطوطات» (أحضرت مخطوطاتي الأزلية)، و «دواوين» (ثم مزقتك من قافية دواويني الأولية)، و «الأبد» (العهدة الأبدية)، و «الاعتراف» (تعال نلتقي على أهرامات الاعتراف)، و «اللعنة» (حباته صقلتها لعنة شيطانية)، و «القبر» (الحب غدا في حقوله مقبورا)، و «المسرح» (نراقب نهاية المسرحية) ….

ال “سفر” (نسبة إلى سفر التكوين وهو أول أسفار التوراة (أسفار موسى الخمسة) وأول أسفار التناخ، وهو جزء من التوراة العبرية، كما أنه أول أسفار العهد القديم لدى المسيحيين… واستعملت المفردة في القرآن، ففيه نقرأ «في البدء كانت الكلمة، ومنه نتعلم نشأة الكون … وبه استمد علماء الأبستمولوجيا من الفلاسفة نظرياتهم حول ظروف النشأة والتطور، ومنه استلهمت الشاعرة قصة «سفر القلب»: قصة حب ملعونة، تشبه قصة آدم وحواء بعد الخطيئة…

 

وتشبه مجازا هذا ال “سفر، وفي نفس السياق” تارة ب “المخطوطات الأزلية”، وهي نسخ من أسفار العهدين القديم والجديد، وتارة ب” الدواوين الأولية” في علاقة تماثلية مع ما نقرأه في القرآن عن «أساطير الأولين» … من هذا المناخ اللاهوتي، والميتافيزيقي، استلهمت الشاعرة قصة «سفر القلب»: قصة حب ملعونة، تشبه قصة آدم وحواء بعد الخطيئة…سمتها «لعنة شيطانية» (نستلقي على سرير الإنسانية،

حياتنا عقد لا زردي…

حباته صقلتها لعنة شيطانية)

 

واستعمال هذا المعجم المتناغم ذو المرجعية الدلالية والفكرية الواحدة المتمركزة حول عبثية «لعنة الحب» (Isotopie de l’amour maudit)، ليس محض صدفة ولا محاكاة ولا تناصا.. هو مرتبط ارتباطا عضويا بالمرجعية الفكرية والعقائدية للشاعرة كأستاذة باحثة في الديانات، وحاصلة على مستر ودكتوراه في «مقارنة الأديان» من جامعة فاس المغربية…

 

توظيف الأسطورة:

 

وبشكل سلس ومتناغم، وبدون مفارقات، تخرجنا الشاعرة من عالم التكوين والنشأة ذو المرجعية الدينية اللاهوتية الكونية، إلى عالم ميثولوجي/ أسطوري له مرجعياته في الأبحاث الأنثروبولوجيا، يكرس صورة «لعنة الحب»، نقرأ في النص:

 

 » تعال نلتقي على أهرامات الاعتراف (…)

 

» الحب غدا في حقوله مقبورا»

 

لا علاقة لأهرامات مصر بسياق هذه القصيدة، وتوظيفها يتجاوز مجرد أسلوب مبالغة أو غلو في التعبير لتضخيم شكل «الاعتراف»… استعمال عبارة «أهرامات الاعتراف» تحيلنا إلى أسطورة مغربية قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل دخول الإسلام إلى المغرب… وأغلب الظن أن الشاعرة تقصد بها «أهرامات غريس» و أسطورة «العار الكبير» (le grand péché ) المرتبطة بها… هي على شكل كراكير بروتوتاريخية ذات قيمة ثقافية لا تقدر، يطلق عليها بالأمازيغية إكرار، جمع أكر ور. وهذا النوع من المدافن الأمازيغية القديمة موجود أيضًا في الجزائر، وربما في شمال إفريقيا كلها. يقول الباحثون أن « من بين الكراكير جميعها يبقى كركور المقتول تحت الحماية أهمها على الإطلاق، وهو نوع من الرجم الرمزي لصاحب الحماية والعناية كرمز لما يسمى في العادة المغربية العربية والأمازيغية العار الكبير، وبذلك تصبح حياة الحامي الذي قتل محميه يدون معنى، حياة جسدية فحسب، أما اجتماعيًا فهو ميت متى سقط عاره، ويمكن أن يخبر الناس في القبيلة وخارجها ببراحين يطلقون، واك واك أو واق واق بأكف مضمومة وإبهاماها إلى الأسفل…وأحيانا تقرأ الفاتحة بأكف مفتوحة ومقلوبة نحو الأسفل أيضًا…ومنذ تلك اللحظة تقطع الجماعة أي معاملة مع المعني وليس له عليها أي اعتراف من أي نوع كان، وغالبا ما يغادر القبيلة لينفي نفسه بنفسه، إنه العار، القاعدة المركزية للعرف في المجتمع المغربي التقليدي، وربما المفهوم المركزي للثقافة الشفهية كلها، وطبعًا مع مفاهيم أخرى مثل الدم. العار هو الحدla limite بالمعنى الأنثربولوجي بين الإنسية وغيرها.. »

 

مأساة حلم وعشق:

 

لكن، كيفما كانت كواليس النص فكرية فلسفية دينية وأسطورية، فنحن ليسن أمامنا مقالة أو بحث علمي… «سفر القلب» قصيدة شعرية، وهكذا يجب أن تقرأ… قصيدة قادرة على أن تبعث في المفردة المنتقاة نبضاً متجدداً، وجوّاً ثرياً، بالإيحاءات والدلالات الغنية… هي قصة حلم:

 

«لما أيقنت من ولوجك حلمي»

 

(….)

 

» وتحسس زنابق اللقاء

على سعف الحلم،»

 

وهي فصة عشق تعرض للاغتيال:

 

» الحب غدا في حقوله مقبورا

العشق في أبراجه أمسى مبتورا»

 

وهي قصة عبثية مستوحاة من المسرح المأساوي/ التراجيدي، من بين خصائصه موت البطل الفردي أو الجماعي في نهاية العرض:

 

» أعدم المخرج…

وأبيد الممثلون…

وأنا وأنت،

نراقب نهاية المسرحية»

 

وهي قصة صرخة متمردة ثائرة: بمثابة قفلة للقصيدة:

 

» الآن..

أعلنها صرخة….

مدوية…»

 

والشاعرة من خلال هذه الصرخة، كما كتب أحد الباحثين:

 

«هي على كل حال، صورة للمرأة العربية الحديثة في إقبالها وادبارها، في حبها للحرية وعشقها للانطلاق من القيود والأغلال العاطفية، وفي تقلب عواطفها ومشاعرها، تلك الصورة التي نقرأ لها خطوطها وظلالها وألوانها منذ عمر بن ربيعة إلى نزار. »

ولنا عودة..


عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman