الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / قراءة في ديوان ” ابتهال القرنفلة” للشاعرة أميمة يوسف/ بقلم: حسن عطية جلنبو

قراءة في ديوان ” ابتهال القرنفلة” للشاعرة أميمة يوسف/ بقلم: حسن عطية جلنبو

قراءة في ديوان ” ابتهال القرنفلة” للشاعرة أميمة يوسف

بقلم: حسن عطية جلنبو

ــــــــــــــــــ

حين تتاح لك فرصة الوقوف على ديوان الشاعرة أميمة يوسف فإنك سوف تشعر بحبات الماء وهي تداعب خدَّك، حيث تبحر بك في عالم من الألق والإبداع بنصوص أقل ما يقال عنها بأنّها تحمل كمّاً هائلا من التكثيف والرموز التي تشي بثقافة أدبية من نوع خاص بها، تتجلى في مفردات الشاعرة وأدواتها الفنية.

فور البدء بقراءة ديوانها (ابتهال القرنفلة) فسوف تتسلل إليك على الفور رائحة القرنفل والزهور بين ثنيات قصيدها، التي تسكنها روح نزار قباني في مفردات تشي بالحبَ، والجمال، ولن تترك الديوان حتى تنتهي من قراءته كاملا، وهي التي قيل فيها (عاشقة اللغة والجمال … ترطب بأدواتها اللغوية والأدبية الإبداعية أزهار نصوصها الثرية، لتثير الاهتمام القراء، وتقول: لا يحتاج دارس اللغة كي يدخل عالم الكتابة إلا أن يحقن الحروف ببعض الخيال ويمنحها غيمة وارفة الظل).

وتبرز في نصوصها مجموعة من الرموز والأساطير التي تم توظيفها بمهارة فائقة، بحيث تنتقل هذه الرموز بين قصائدها وتتماهى بها في كثير من الأحايين، ولعل أبرز هذه الرموز، “طائر الفينيق”، وشخصية عشتار وتموز، وشخصية شهرزاد، ورمز “بيضاء الثلج”، وغيرها، تقول:

 

يا طائر الفينيق أيقظ جذوةً

بين الضلوع فضوء حبِّك أسفرا

في مذبح الشمس المهيب عراقة

فازدد بمعناي الخجول تجذُّرا

 

وتنساق حروفها بنسق موسيقي عذب يجعلك تطرب للكلمات وهي تنساب كمعزوفة عذبة الإيقاع

 

فترفُّقاً بالقلب، أيّةُ نغمة

إن تهدنيها توقظ الفينيقا

كم كان غصني قبل نايِك يابسا

فغدا بموسيقا يديك وريقا

حبَّات صوتك إن تبعثر عقدها

فاض الأثير جواهرا وعقيقا

 

كل هذا يعكس روحا متمردة، وثائرة لا تقبل التنازل ولا تنصاع لأية مؤثرات من شأنها دفعها إلى التخلي عن القيم والثوابت التي تشكل شخصيتها

 

خذ نصف عمري فإني لستُ آسفةً

على جدار من الأحلام منهدم

لا أنت ترحم آمالي وتحرسها

ولا تردُّ عواء الذيب عن غنمي

 

ولعل أشدّ ما يميز قصائد الشاعرة أميمة تلك اللغة العذبة التي تطالع القارئ بمفرادت قريبة على الروح وكأنَّها تحكي ذلك الشوق القديم الذي نبحث عنه وتتوق إليه نفوسنا.

 

أعتِّق الحرف في قلبي وأرشفه

قدحا من الخمر أو كأسا من العسل

أفصّل الغيم أثوابا لقافيتي

فأرتديها ولا أخشى من البلل

 

وفي قصيدة بعنوان (هذي أنا) تكشف الشاعرة للقارئ تكوينها المجتمعي والمعرفي والوجداني لتضعه في صورة المعاني التي تتضمنها قصائدها فتكون حروفها صدى للشاعرة تعكس صورتها وشخصيتها

 

قلبي حقول الياسمين وقد نمت

في راحتيّ مباهج الريحان

من مغرب الشمس الشهيّة أشرقت

فتلعثمت في وصفها الشفتان

فإذا أتيت إلى أميمة مرّةً

لزرعت عمرك في رؤوس بناني

 

لكن هذا لا يمنع أن نجدها تائهة بين الأنا والذات تبحث عن نفسها، وتخاطب فؤادها الذي هاجرها واستقرَّ لدى سواها فتقول:

 

يا فؤادي البعيد أينك عنّي

كن شجاعا وقل أهاجرتَ مني

جئت أرجو من نفحة منك ماءً

عدتُ ظمأى وقد شرقتُ بحزني

ردَّ قلبي وغب كما شئت إني

منذ غادرت أسأل الناي أيني؟

 

إلا أن هذا النزق الشديد، لا يمنعها أن تبوح بكوامنها صراحة، وتسلِّم القلب بكل رضا، ثم تقوم برقيته من شر حاسدٍ إذا حسد:

 

هو رجفة بين الضلوع مكانها

في القلب مسكنه وبالروح اتّحد

سيظل مشكاة تضيء، وزيتها

متبارك بالشعر إن طال الأمد

هو واحدٌ بين الخليقة ربما

لكنه والله في عيني بلدْ.

أرقيه من عين الأنام جميعهم

بمدامعي ومن الحسود إذا حسد.

 

وتختتم الشاعرة ديوانها بقصيدة تنساب عذوبة وألقا عنوانها (وجهان) تكشف فيها عن الفارق بين أميمة الإنسانة الشرقية الملتزمة، وأميمة الشاعرة التي تنصاع لها الحروف شهيَّة في قصائد هي كالجمان الذي يزيِّن جيدها

 

وما عرفوا بأني بنتُ حرٍّ

كريم الأصل من جدِّ وجدَّه

كساني ثوب عزٍّ وافتخارٍ

على كتفيَّ ألقى الطهرُ بُرده

فوجه السيف مصقول ولكن

حذار حذار إن لامستَ حدَّه.

بقلم: حسن عطية جلنبو

 

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman