الرئيسية / آراء قكرية ونقدية /  قراءة في رواية “خرائط التيه” للكاتبة بثينة العيسى/ بقلم: بوسلهام عميمر

 قراءة في رواية “خرائط التيه” للكاتبة بثينة العيسى/ بقلم: بوسلهام عميمر

 قراءة في رواية “خرائط التيه” للكاتبة بثينة العيسى

بقلم: بوسلهام عميمر

ـــــــــــــــــــــــ

لست ناقدا متخصصا في الإبداع الروائي بقواعد النقد المتعارف عليه وبمستلزماته، لكن هل

يمنع هذا أن يبدي أي قارئ رأيه فيما يقرأ إيجابا أو سلبا في إطار نظرية التلقي؟

فقبل الإقدام على قراءة هاته الرواية “خرائط التيه”، تابعت للكاتبة الكويتية بثينة العيسى

أكثر من حوار تتحدث عن روايتها هذه بالضبط بقنوات تلفزية متعددة. وأستسمحها إن

بحت لها بقناعة سبق تأكدها من خلال عدد من الكتاب غيرها. فكم واحد يبهرك ويأخذ بلبك

وهو يتحدث عن أعماله الإبداعية رواية كانت أو قصة أو شعرا وعن فرادتها الأدبية، لكن

بمجرد الشروع في قراءتها تتمنى في قرارة نفسك، لو أنك امتثلت للمثل الشهير “أن تسمع بالمعيدي خير من أن تره”.

لكن مفاجأتي كانت كبيرة بقراءة عملها هذا بالضبط، مما حفزني أن أقرأ لها بقية أعمالها

الأخرى مع الوقت. فلأول مرة أتم قراءة رواية من 405 صفحة على شاشة الهاتف في أقل

من أسبوع، بما أنني من عشاق الكتب أستمتع برائحة الحبر على صفحاتها.

فكانت دهشتي كبيرة بهذا المنجز الروائي من عدة زوايا:

أولاها طرافة الموضوع، تتشابك أصوات شخصيات الرواية في نسج خيوط الواقع المر

الذي عاشته الأسرة الكويتية لفقدان فلذة كبدها الذي لم يتجاوز عمره عشر سنوات وأين؟

في الحرم المكي، أثناء الطواف بالكعبة المكرمة. فالمفروض وإن سقط ملك سليمان من

أحد الحجاج لوجده ولو بعد حين، إذ لا يتصور أن يختلسه أحد بهذا المكان المقدس الطاهر

من قبل أي مسلم يعرف معنى الحج الركن الأساس ضمن أركان الإسلام المعروفة. فكيف

يتم استدراج الأطفال بطريقة أو بأخرى للفتك بهم واغتصابهم وبيعهم. فالطفل يبقى طفلا،

يحسب كل كبير مثل أبيه وكل كبيرة مثل أمه. قد نتفهم هكذا ممارسات إجرامية همجية

ترتكب في حق أطفال أبرياء بمختلف بلاد المعمور، بسهولة يسقطون في حبائل مرضى

النفوس والعصابات الإجرامية. فبحكم سنهم وضعف حيلتهم وفطرتهم السليمة، لا يدركون

أنه كم ممن يعدونهم من البشر ليس بينهم وبين الآدمية غير الهيكل البراني. إنهم أبالسة

وشياطين في هيئة بشر. إنهم وحوش ضارية، ليس في قلوبهم ذرة من بشرية.

فقد برعت الروائية في نقل مشاهد رعب فظيعة، يصعب على ذوي النفوس الهشة إتمام

قراءتها.

مشاهد تحبس الأنفاس في حق أطفال أبرياء وجدوا بقبضة مجرمين لا يرون فيهم غير ما

سيحصلون عليه من أموال قبل أن يغتصبوهم شر اغتصاب. فقد تفننت الكاتبة في نقل

اللحظات التي يتحول فيها الإنسان إلى أحقر كائن وأقذر مخلوق في الوجود بأسلوبها

السلس الماتع، ليشبع غريزته النتنة بوحشية على أطفال في سن الطفلة الهندية الصغيرة في

الرواية، لما اغتصبها رئيس العصابة، وانتهت بالموت نزفا بالدم بين فخديها، متأثرة

بالجروح والقروح. ومن تم رميها في عرض البحر. أية غريزة هاته تشبع بهذه البشاعة؟

حاشا لله أن يكون هؤلاء بشرا سويا. أو حالة مشاري الطفل الكويتي الصغير، لما رمت به

الأقدار فارا من بين يدي عصابة الاتجار بالأطفال لانشغالهم بالتنازع حوله. فكان

كالمستجير من الرمضاء بالنار لما سقط في براثن مستنقع باكستاني مسلم لا مثيل لنتانته.

وأي إسلام!؟

فبدون أن يرف له جفن أو يفكر في حال الطفل المأساوية التي رآه عليها نتيجة اغتصابه،

ولا فكر في ما عاشه من أهوال يشيب لها الولدان، ولا فكر في والديه المكلومين على فلذة

كبدهما. لم يفكر في أي شيء من هذا ولا غيره. فبمجرد أن رآه لم يتبادر إلى ذهنه غير

إفراغ حصيلته النتنة في طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره، هزيلا زادته المحنة نحافة

وهزالا ودمارا نفسيا. ولم تشفع له الدماء المنسابة من بين فخديه ولا بكاؤه المر، ليمارس

عليه ساديته القذرة المرة تلو المرة بوحشية ما فوقها وحشية.

ثانيا فالرواية في جوهرها أكثر من هذا الجرم الفظيع في حق أطفال أبرياء. إنها تتناول

قضية تستفحل سنة إثر سنة، تتعلق بالاتجار في الأعضاء البشرية، التي تذر على ممتهنيها

الملايين من الدولارات وخاصة أعضاء الأطفال. سلطت الرواية الضوء على شبكات

التهريب هاته التي تنشط في مثلث الرعب، بين السعودية وسيناء و إسرائيل. بتقنيات سردية

عالية استطاعت أن تخترق هذه المافيات ووسائلها المعقدة لتنفيذ جرائمها دون أن تطالها

عين الرقابة، يسهل عملياتهم مهزومو النفوس ممن يسيل لعابهم بما يقدم لهم من رشى مقابل

انخراطهم بالصمت عن جرائمهم البشعة.

ثالثا الرواية في ثنايا غرز أحداثها، تطرح تصريحا حينا وضمنا أحيانا أخرى، إشكالات

عقدية لم يعد القفز عليها مجديا، ولا إخراس الأصوات المتسائلة والمستفهمة عنها مقبولا.

فالرواية تطرح تساؤلات عميقة على الأقل إن لم يتم الإجابة عنها، تكون محل بحث ونظر

من قبل علماء الدين والمفكرين. فموقف فيصل لما سرق ولده، توقف عن أداء مناسك الحج،

و انقطع  حتى عن أداء فريضة الصلاة، والباكستاني الذي سقط الطفل مشاري بين أنيابه،

ببناء روائي دقيق تبرز همجيته في هتكه لعرض صبي لا حول له ولا قوة، وهو الذي لا

يفرط في صلواته، فرائضها ونوافلها. فأين هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء و المنكر؟

فهل هناك أفظع جريمة من الاعتداء الجنسي على طفل صغير ظن أنه نجا من عصابة تتاجر في الأعضاء البشرية، ليسقط بين يدي شيطان مريد في ثوب بشر؟

فأين الأمان في أقدس مكان لترتكب فيه مثل هذه الجرائم البشعة في حق طفل بريء

اصطحبه والداه يقينا منهما للتبرك بمناسك الحج بالبلد الآمن الأمين أثناء الطواف بالكعبة

المشرفة وبأحد الأشهر الحرم. كيف يحدث هذا وأبواب السماء مفتوحة للدعاء والاستجابة.

كيف يحدث أن يتفلت الطفل من يد أمه سمية. لم يرحمه أحد من الحجاج “الميامين” الذين

يندفعون كالسيل العرم لا يبقي ولا يذر. فهل هذا هو الحج المبرور؟ الغلبة للأقوى في جل

مناسك الحج، و التدافع والرفس كم منهم قضى نحبه تحت الأرجل دون أن يجد من يرأف

لحاله.

تساءل الرواية التناقضات التي يعيشها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، والشرخ

الكبير الذي يعيشون في خضمه.

فالمنجز الروائي للكاتبة الكويتية بثينة العيسى يحتاج إلى أكثر من قراءة إن على مستوى

بنائها البراني أو على مستوى مضمونها الدرامي.

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman