الرئيسية / قصة / كلمات محذوفة/ بقلم: نهاوند سعود

كلمات محذوفة/ بقلم: نهاوند سعود

كلمات محذوفة/ بقلم: نهاوند سعود

ــــــــــــــــــــــــ

 

فتح كتابه:

نظر في بؤبؤ عينيها وقال في دهشة: هل أنت حقيقة …ورفع أنامله يحاول أن يلمس طيفها وعيونها التي تحمل كل ألوان الدنيا

قالت ضاحكة: وهل في ذلك شك …ازداد اتساع عينيه، وغرفته لم تعد كما كان يألفها أصبحت مجرة واسعة تطوف بهما قال:

ولكن هذا أمر عجيب لم أر في حياتي شيئًا كهذا هل أنت إنسية أو ماذا …كيف ظهرتي هكذا فجأة؟

أمشي بلا ظل يا كواكب السماء …

أحدق في أعجوبة الفضاء …

جلست على أرجوحة تشبه القمر …عالقة بخيوط فضية ..وتماوجت كزئبق حتى تلاشت.

تنفس الصعداء بمجرد اشتعال ضوء غرفته، كل شيء في مكانه، تساءل قائلا: من أي قصيدة خرجت هذه، لم يقترب من الكتاب ثانية، هي مخلوق غريب قال في نفسه.

خرج ليتجول في الساحات العامة ليصدق أن ما مر به كان مجرد حلم ،كان على موعد مع حبيبته الشقراء التي تناشد الثراء ، وتسعى  جاهدة لتكون من أغنياء العاصمة لكنه كان تائها وشاردا لم يستطع أن يجمع كلمتين معا …كأن طاقة ما من مكان ما في هذا الكون قد احتوت كيانه وجسده ،جاءت “معين” خطيبته الشقراء وكلها حماس قائلة أتعرف ماذا كسبت اليوم في تجارتي صفقة ما يجعلنا نستقر بتركيا عمرا بأكمله ، لكنها لاحظت أن حاله متغير ولم تفهم ما حل به ،فأردفت قائلة: الطيبون أمثالك لا يكسبون شيئا بحياتهم  حتما ستتصدق بنصيبك للجمعيات الخيرية وللفقراء … فقلبك الرحيم هذا ستفلس به بقدر ما تكسب ……_”معين” أرجوك لست في حالة  تسمح بأن أرد …..لكن أخبريني الكتاب الذي أهديتني إياه أمس الذي دون عنوان وداخله قصائد كثيرة من أين حصلتي عليه …_آه ….ذاك الكتاب عثرت عليه مصادفة وسط سلع مهربة ..ولأن هوايتك جمع الكتب القديمة آثرت أن تحتفظ به كي لا يضيع مني.

هزت “معين “شعرها الأشقر فبدت أكثر جمالا وإشراقا. لكنها بالنسبة ل “جلال ” لا شيء أمام جمال المرأة العجيبة صاحبة العيون الملونة بكل ألوان الطيف، تساءل في نفسه قائلا هل هذا حقا يحدث وكأني في عالم الأساطير أو الخرافات هل هي من عالم مخفي غيبي كعالم الجن والأرواح تبدو كملكة.

الأشجار الخضراء أمامه تتمايل بفعل الريح، كان يرتدي سترته السوداء، وفجأة تحول لباسه إلى بياض وفتح يده ليجد بها مفتاحا ذهبيا …وتساءل كيف عاد إلى غرفته بهذه السرعة فلم يكن على عجلة من أمره، وتعجب من وجود باب بمجرد أن فتح الكتاب حتى دلف إلى عالم ساحر …نجوم تضئ ومباني شاهقة من زمرد مرصعة بالأحجار وتربة تشبه القطن وهو يدوس عليها، فقال في نفسه وكل الهواجس اجتمعت، شعر بالخوف

_هل هذه الجنة أم أي مكان في هذا الكون الفسيح، هل ضللت طريقي، كانت هناك مخلوقات عجيبة غريبة تعمل بجد دون أن ترفع رأسها نحوه ،هناك من يطير ويصطاد في السماء أشياء غريبة وهناك من ينسج بأنامل كثيرة أثواب حريرية وكأنه يعزف على بيانو حتى شعر بشيء ما يخطفه بشدة كأنه عقاب يرفع به إلى السماء الفضية ونزل به عند عتبات قصر ضخم …توجس خيفة وتقدم بخطوات مرتابة …هاله ما رأى كأنها خلية نحل من الخدم والحشم  كل في شغله منهمك  كانت “القبة الزرقاء “المرأة العجيبة  تجلس على كرسي مذهب  من الجواهر ،ابتسمت لوجوده بينهم رحبت به بأن قدم له قطعا من شيء لم يتبين كنهه لكنه امتنع عن الأكل ،

وفجأة قيدوه بسلاسل حاول أن يتملص من المخلوقات العجيبة ذات الوجوه المتعددة الأليفة أحيانا والمرعبة أحيانا أخرى، لم أفعل شيء لما هذا الاحتجاز وأين أنا ما هذا العالم …. وقف أمامه مخلوق غريب ومخيف وهو يشم رائحته قائلا كيف تجرؤ على قرع أبواب مملكتنا لقد تلوت كلمات تستدعي فيها ملكتنا …. اعترف بجرمك

قال: لا …. هذا محظ صدفة لم أستدعي أحد. الكتاب كان هدية لا أدري من أي عالم أتى ولا من كتبه …كتب بماء الذهب وبلا عنوان أقول الحقيقة ….

هذا العالم هو سر عجيب

قال أحد المخلوقات المتحولة العجيبة الحقيقة “معين ” ابنتي فرت من عالمنا …لعالم البشر وحدها تحفظ تعويذة العودة التي ورثتها من أمها الإنسية قال “جلال ” مندهش وهل تتزاوجون مع البشر؟

_رد عليه صوت آخر لا هذا محظور ومحرم في شريعتنا …. لكن معجزة ما حدثت في أن ولدت “معين ” من إنسية عاشت في عالمنا وفرت منه بابنتها، وقد أمرت ملكتنا “القبة الزرقاء “بنسيانها …قال “جلال ” في دهشة كأنه لم يستوعب ما يقال له: هل كانت معين تتعاطى السحر والشعوذة، هل قامت بعقابي لتبعدني عنها كي تحقق السطوة والسلطة، هي أثرى الأثرياء الآن …ولكن ما ترجوه من إبعادي ….

لم يلتفت أحد لما يقوله “جلال ” فكل ذهب لشأنه وعمله المكرر كأنهم في عقوبة أبدية فهناك مخلوقات يرفعون أجراس ضخمة وكلما وقعت أعيد رفعها وهكذا دون نهاية فما الجرس رفع وما استقر في مكانه …. ومخلوقة غريبة تدخل خيطا بإبرة وكلما تحاول ذلك تقع الإبرة أرضا وتظل تبحث إلى أن تجدها وتعيد الكرة، كان ذلك أشبه بعبثية دائمة

_قفزت الملكة عاليا كأنها فانوس نوراني ودخلت لكرة زجاجية تسبح في الفضاء واقتربت منه كانت عيونها تستجديه أن يبقى فقد وقعت في غرامه صمتت قليلا وقالت له وهي تتحول وتخرج من بين كفيها كلمات تناثرت من ذهب …استغرب لقدرتها العجيبة قائلا _

هل تنثرين الشعر …قالت: منذ آلاف السنين، أراك هاجسي وحلمي، بين يديّ. عشقا يتكون كجنين كقلب ينبض منذ آلاف السنين التفتت الملكة إلى جلال وقالت وقد تحولت إلى هيئة أخرى، ستطوف معي بأرجاء المملكة، لم يشعر جلال ألا وهو ينظر من فوق الأعالي إلى قصور ومباني زجاجية غريبة لاحظت الملكة دهشته فقالت له: أنا أحطم هذه المملكة منذ آلاف السنين، زاد استغرابه قائلا وكم عمرك …آلاف السنين

_هذا لا يبدو …تبدين رائعة الجمال…. سألته حينها هل ستبقى أم أنك ترغب بالعودة إلى عالمك رأى جلال شيئا عجيبا مخلوقات تمشي فوق الجمر ولا تحترق، فسألها بعد تردد هل أنتم من نار …ضحكت وقالت من مارج من نار ثم سأل ثانية ….هل أنتم الرهبان ؟! الآن عيوني زرقاء دخلت لعالمكم …؟ طارت في السماء الفضية فبدت أكثر طولا من اللازم، وصارت تطوف كأنها وسط مجرة مضيئة وتلاشت.

كان هو يحدق باستغراب في مخلوقات تتطاول وتتغير بأشكال عدة، قال في نفسه هذا العالم الغريب ليس عالمي عليّ العودة و”معبن” ألم تفقده، ألم تسعى لاستعادته وهي وحدها تعرف تعويذة الرجوع، كان يتحسس أنفاسها في كل مكان يرن صوت الملكة في أذنه قائلة: أنا أسمع هواجسك “معين ” أن اقتربت من عالمنا سنقتلها …

وفجأة شاهد مخلوقات عجيبة تصرخ من العذاب وقد سلسلت …قرر العودة والفرار من هذا العالم المخيف …حاول تذكر كلمات القصيدة التي تلاها قبل دخوله لعالمهم …حاول …دون جدوى تقف الملكة أمامه فجأة…كان يشعر بالخوف هذه المرة …. تحولت إلى امرأة عجيبة جمالها يذهل العقول وبدأت تراوغ وتطير من مكان إلى مكان حاول أن يتجنبها ويغمض عينيه كي لا يراها … قالت في تهكم أنت ملكي الآن عبد من عبيدي …

قال لها أنسيتي أني إنسي حر وعبد لله وحده…ألا تؤمنون؟

قالت: نؤمن …. نحن قبائل مختلفة منا المؤمن ومنا الملحد الذي هو أشد عتيا. ومنا من يطير ومنا من يسبح ومنا من يقبع في أرض سفلية

قال: وهل تملكون عقول مثل البشر؟

قالت: نحن لا نملك عقول نحن خلقنا منذ آلاف السنيين ولا نملك إلا الغواية. الغواية وفقط …نحن لا نخطط لشيء سوى الوسوسة. نكره الإنس لأن لهم الأفضلية خلقوا من طين الأرض وخلقنا من مارج النار

قال لها: لكنك تنثرين شعرا مذهبا، قالت له باستغراب وهي تضع إصبعها الطويل فوق أنفه: أنا أحفظ كل أشعار الأولين والآخرين من الإنس …

ضحك من قولها. كنت أظنك عاشقة لي قالت بتهكم نحن حين نعشق نؤذي تذكر هذا وتلاشت

انشقت له الأرض وفتح له مسار طويل مظلم فتح عيونه وجد نفسه في غرفته وجسده أصبح أخف

رتب دواخلي ولا تعبث بي ،لم أكن يوما ساحرة ولا عرافة ،كنت مشكلة من حمئ مسنون …لا أملك  خطيئة إلا أني عاشقة …كانت معين تحذف كلمات كثيرة من الكتاب تمحو تعويذة العودة إلى العالم الآخر ، جلال بحث عنها كثيرا في الحدائق العامة في قصرها الشاهق بقلب العاصمة فتحت معين عيونها بعد أن حذفت كل الكلمات المفرقة داخل الكتاب الذي كتبته والدتها والتي تربطها بالعالم الآخر،وجدت نفسها في سوق كبير للتجار بالجملة بدأت دموعها تتساقط وكانت تخرج على شكل جمرات لتسقط على الأرض وتتحول إلى ألماس لم تبك يوما أمام جلال كي لا يكشف سرها ..تجمع حولها الناس وهناك من أسرع لالتقاط  حبات الألماس المتساقطة ،لم تكن ثروتها هي دموعها فحسب ،بل حبها الكبير للحياة ولجلال ، غطى الضباب فجأة وجه العاصمة وجلال يركض من مكان  لمكان ومن سيارة لسيارة ويصرخ بكل ما فيه معين ..ومعين أين أنت …يا الله لا تحرمني منها

ظهرت له “قبة السماء” وفي هيئة متطاولة ولكن هذه المرة تحولت لشكل قبيح وعيون حمراء مثل الجمر كان الانتقام غايتها

هذه المرة ونثرت فوقه كلمات تستجديه أن يعود معها لعالمها فقد صارت عاشقة له وتبغي تملكه. حاول الإفلات والهرب منها كانت تتلو قصائد ساحرة

عشق ما يدجج حصن الوريد

يسكن الجوى يهوي به في مكان سحيق

بالأرض السابعة

بالبئر التي لا تجف

ينفث ريقي تعويذة العشق والبقاء

تعقد أناملي سحرا بالروح فلا تنفلت

يا أبناء البر والبحر يا أولياء الأرضين والسموات يا أصحاب المعجزات

تحمل “قبة السماء ” صولجانا ضخما بيدها ..وتحاول أن تمسك جلال وتجره لعالمها

موحش هذا المساء بأيدي متوحشة

عهر ما يتكاثر خلف أشجار الغابات

ولقطاء بلا أسماء بلا معنى أو هوية

تجر جلال لتملك روحه عشقها جرها لتدعوه للخطيئة …كان كل خوفه يتمركز حول”معين “وأين يعثر عليها …..بدأ يردد ويتلو آيات القرآن تتحول “قبة السماء “إلى عنزة وتفر بين المارة …وكل من حوله شاهده يهذي ويرفع يديه ظنوا أن به عارضا من مس الجان أو أنه تناول جرعات حبوب مهلوسة يرمقه الجميع  باستغراب …..هرول باحثا عن معين حتى رآها كانت تمشي بعبثية وخلفها جنود المخلوقات العجيبة تجرها نحو فوهة بالأرض ….صرخ بأعلى صوته الكلمات …التعويذة “معين ” حذفت كل شيء من كتابها ….نظرت له بعيون حزينة قائلة له :لا تقلق ربما أعود يوما كل ما أملكه هو لك رفعت كلتا يديها _نلتقي جلال…

قال في حيرة من أمره لما يحدث هذا محال أن تكون حقيقة …بدأ يتلوا القرآن بصوت عال لتفر المخلوقات العجيبة لكن أمرا ما جعل “معين” تقفز داخل جوف الأرض لتنغلق الفتحة كان يهذي …. والناس حوله لم يشعر أحد بما حدث لم ير أحد ما حصل …. كل ما شاهدوه أنه يخاطب نفسه، ثم أسرع باتجاه منزله وهو يشكك في حقيقة ما …. هل “معين” حقيقة …هل ستعود؟ فتح كف يده كانت دمعة معين ألماسة مضيئة تأملها قال حتما أن ما حدث لم يكن حلم راح يسأل المارة لا أحد يرى ما يراه هو …كان وحده يعيش الحدث …قال أحدهم ربما أصابه الجنون وقال آخر ربما حب فتاة أذهب عقله … وكان يصرخ في الشوارع والطرقات “معين”.”معين” أين أنت يا نور العين أصبح يرتاب من الحروف المفككة ومن كتب الشعر المذهبة اللون.

تقدمت سيدة كبيرة في السن مع ابنتها الشابة. تسأل حارس الحديقة عن ابنها المشرد الذي يعاني من اضطراب نفسي …أشار لها الحارس بإصبعه نحو كرسي حديدي وسط الحديقة كان نائما فوقه، أعادته والدته إلى المنزل فقد اعتاد على النوم في العراء …والتجول بلا هدف ككل المشردين، فتح عينيه وجد نفسه عاد لغرفته ثانية التي فر منها منذ سنيين، ولم يفتح له الباب مجددا كانت هناك خصلات شعر أشقر على طاولته أمسكها. متنهدا “معين يا قرة العين ”

وعاد الى مكمن تشرده .

يا مهرة الليل

في الفيافي

بالعيون الآثمة

كرات ندف الثلج

تتساقط على مهل

تغرق الأرض الخصبة بياض

ستخرج من رحم الولادة الأولى

مهرة حرة بها يشرق النهار.

 

نهاوند سعود

بئر العاترـ تبسة

الجزائر

 

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman