الرئيسية / مقالات / كم عمر العمر؟ / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

كم عمر العمر؟ / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

كم عمر العمر؟

بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

……………..

قد يكون العمر من الموضوعات الأكثر جدلية في الحياة إذ يربط الناس العمر بالتقدم في السن عددا. هناك من يربط العمر بالروح والحياة السعيدة والبهجة وهناك من يربط العمر باللحظات لا بالسنوات. نصادف في حياتنا الكثير من المسنين الذين يبدون شبابا أكثر ممن هم في العشرين من العمر والعكس صحيح.

في عام 2018 طلب أميل راتيلباند البالغ من العمر 69 عاما من محكمة في هولندا تغيير عمره الرسمي المدون في الهوية الشخصية وأثناء مرافعته في الدعوى المقدمة للمحكمة أفاد الرجل بأنه في عمر 49 عاما تقريبا من الناحية الجسدية والعقلية والعاطفية وأضاف أن عمره يقف حائلا أمام ممارسة حياته بحرية بين الناس وأنه يتعرض للتمييز وفقد فرصة العثور على شريك مناسب في مواقع المواعدة. رفضت المحكمة طلبه بدعوى أنه نوعا سخيفا من التصابي.

للوهلة الأولى، قد تبدو حالة أميل راتيلباند تافهة وسخيفة ولكنها في الحقيقة ليست كذلك لأنها تذكرنا بالقدرات العقلية والبدنية والمعرفية لكبار السن. تخيل لو أن حياتنا تبدأ بخبرة الشيوخ ونمزج بين روح الشباب وخبرة النضوج. قد تبدو فترة الخمسينات من العمر هي الأجمل لأنها تمزج بين حيوية الشباب وحكمة الشيوخ. لقد اشتغل العلم كثيرا على تحديد العمر الذي تبدأ به الشيخوخة فهل هي عند 60 أو 65 أو 70 عاما من العمر؟ تحدد الحكومات سن التقاعد في الستين من العمر وتحدد الجامعات سن التقاعد في السبعين. قد يكون هذا التحديد منطقيا من الناحية القانونية لكنه غير صحيح من الناحية الفنية لأن العمر مرتبط أساسا بالروح الجميلة والمرح. وقد اشتغل الخبراء على تحديد العمر المستقبلي للإنسان وأدار وارن ساندرسون أستاذ الاقتصاد في جامعة ستوني بروك وسيرجي شيربوف نائب مدير برنامج السكان العالمي في المعهد الدولي لإدارة النظم التطبيقية نهجا جديدا لتصور وقياس شيخوخة السكان بأخذ متوسط العمر والقدرة العملية والاختلافات العابرة للزمان والمكان والمجموعات الفرعية للسكان ووجدا أن العمر قيمة متغيرة بين بيئة وأخرى ومجتمع وآخر وأنه يعتمد على السنوات التي عاشها الإنسان بالفعل ونسبة الإعالة المتوقعة  وقد تأثر البحث بنسبة الاستجابة والسياسات العامة المتبعة في البلدان .

وقد وجدت الدراسات الأصيلة أنه لا يمكن حتى الآن توقع العمر وليس من السهل ايجاد القرائن الدالة على نهايته. لقد عانى رجال التحليل البحثي والديموغرافيين والاقتصاديين الكثير في تحديد مدى تقريبي للعمر. فهل ارتداء الشخص للنظارات السميكة دليل على الشيخوخة والعمر؟ وهل الجدية في الحديث دليل العمر؟ حتى الآن ليس هناك حجة مقنعة تدل على التقدم في السن. فكم عمر العمر؟ لا أحد يدري.

في عام 2014 دخل مكتبي رجل مسن في مدينة جبلة السورية، وكانت المرة الأولى التي ألتقيه فيها. بدا الرجل لي جادا حاد التقاطيع الوجهية ولما سألته عن عمره أجابني بصرامة 28 عاما. ابتسمت وقلت له: ” إن شاء الله العمر كلو” وتابعني قائلا بعد أن ابتسم 28 بعد الخمسين. كان الرجل يفخخني في الحديث إذ وجدت أن عمره الروحي فعلا 28 عاما وليس 78 عاما. وبدأ يروي لي الأحاديث والذكريات. وقد تأكدت وقتها أن العمر مرتبط بالروح لا بالجسد.

لقد حدد الباحثان ساند رسون وشيربوف عتبة الشيخوخة عند العمر الذي يبلغ فيه متوسط العمر المتبقي 15 عاما وقد وجدا بعد جمع الاحصاءات لدى الرجال والنساء أن الرقم في عام 2018 كان في اليابان 73.9 وفي الولايات المتحدة 71.5 وفي الصين 66.6 وفي الاتحاد الروسي بلغ 65.5 وفي نيجيريا 58.4 وقد استنتج الباحثان ساندرسون وشيربوف أن نوعية الحياة التي يعيشها الإنسان من حيث المبدأ لا تتناقص مع زيادة عتبة الشيخوخة المرتقبة.

يناقش الباحثان ساندرسون وشيربوف أيضا بأنه يجب صياغة السياسات العامة للدولة بناء على الخصائص التي تتغير مع الوقت بدلا من تحديد الأعمار الزمنية الثابتة للتقدم في العمر والتقاعد والشيخوخة وبدلا من الترنح بين إصلاح وآخر. ويتابعان قائلين أن المعاشات التقاعدية يجب أن تعكس الانصاف بين الأجيال  ويجب أن يتلقى الأفراد المسنون مبالغ قريبة من المبالغ التي دفعوها  ويجب أن يحصلوا على مرتب جيد بعد حسم الضرائب والنفقات الأخرى خاصة وأن المتقاعدين محرومون اقتصاديا من مراعاة غلاء المعيشة بعد التقاعد ويموت معظمهم قبل أن يحصل على مستحقاته المالية في كثير من المجتمعات وأهم ميزة بالنسبة للكبار بعد ارتفاع متوسط العمر المتوقع هو تطبيق المبادئ على نطاق واسع وتحديدا المساواة بين الأجيال في دفع المستحقات ومراعاة الزيادة الكبيرة في تكاليف المعيشة .

من الناحية النظرية يميل الأدب والبرمجة اللغوية العصبية وعلم الطاقة الى التخفيف عن كبار السن في الدول المتقدمة بحيث يمارسون نشاطات جديدة بعد التقاعد ويندمجون في الحياة عبر النشاطات المختلفة والتسالي والانخراط في النشاطات الاستشارية والترفيهية بحيث يتم الوصل بين الأجيال في حوار مستمر لا تنفصل عراه ويستفيد الجيل الجديد من خبرات الجيل القديم.

بين الأعوام 2020 و2030  ، يُتوقع أن يرتفع في العالم عدد الأشخاص الذين يبلغون من العمر 60 عاما أو أكثر بنسبة 65 % وسوف يزيد عدد المسنين من 901 مليون نسمة إلى 1.4 مليار بحلول عام 2050 وستحصل هذه الفئة على ما يقارب 2.1 مليار يورو والجدير بالذكر أن هؤلاء الأشخاص المسنين أساسا دفعوا لشركات التأمين مبالغ تزيد عن هذا المبلغ بعدة أضعاف بعد أخذ غلاء المعيشة والاستثمارات في التأمين بعين الاعتبار  وليس هناك منّة في دفع تعويضات مجزية للمسنين لأنهم يحصلون على جزء يسير مما ساهموا به في صناديق التكافل الاجتماعي. يذكرنا الاضراب العام الذي حدث في فرنسا منذ مدة بالجدل حول قرارات الحكومات بشأن الشيخوخة وطريقة إدارة هذا الملف بطريقة مثيرة للجدل والتساؤلات. يبدو أن الباحثان ساندرسون وشيربوف محقان في أن الإنسانية لن تتوصل في القريب العاجل إلى حلول منصفة للمسنين وأن الطريق مسدودة أمام رؤية فاعلة وعادلة للبيئة الديمغرافية في الحياة.

فهل ينتهي العمر بالتقاعد من الوظيفة؟

أم باستقلال الأولاد والابتعاد عن بيت العائلة؟

أم ببدء حياة جديدة بعد التقاعد؟

كم عمر العمر في بيئتكم حيث تعيشون؟

سؤال يحتاج إلى إجابة في عصر ينهش الأخضر واليابس.

 

المراجع

6 Strategies to Help You Get the Most from Life After 60

8 Reasons It’s Great to Be in Your Sixties

https://www.healthline.com/health/womens-health/older-women-advice-to-20-year-olds#1

https://www.ldoceonline.com/es-LA/dictionary/be-in-your-fifties

https://www.psychologytoday.com/us/blog/snow-white-doesnt-live-here-anymore/201811/how-old-is-old-how-old-is-senior-how-old-is-discount

https://www.psychologytoday.com/us/blog/the-good-life/201105/how-old-is-old

 

 

 

 

 

 

 

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

واحة الفكر Mêrga raman