الرئيسية / قصة / ماض لم يمض /بقلم نرجس عمران

ماض لم يمض /بقلم نرجس عمران

 

 

 

 

 

 

 

ماض لم يمض ِ /البكاء دون بكاء /بقلم نرجس عمران

ــــــــــــــــــــــــــــــــ:

 

دوما وفي كل الأوقات يخترق انشغالاتي اليومية رنين مفاجئ إنه هاتف زوجي العزيز يريد أن يطمئن علينا جميعا وهل مازلنا بخير؟ وعلى أخي الغائب هل عاد أم لا؟

هل اتصل أم لا؟ هل سمعنا خبرا عنه أم لا؟ وعن صهرنا وابن العم المحاصر هل عاد هو أيضا أم لا؟

وعن أبي القلق جدا إلى حدّ المرض هل أصبح جيدا أم لا؟ وعن أمي المقهورة هل تغلبت على حزنها أم هو الذي تغلب عليها؟ وعن….

أحس حقا أنني في حيّرة من أمري هل أخبره الحقيقة مجددا؟ رغم أني لطالما فعلت وأخبرته

لكنه لا يسأم السؤال ويعيده مجددا، أنا حقا تعبت من إيقاظ مواجعي التي لا تنام رغم جهدي الدائم فأنا في كل لحظة أهدهدها لتنام لو هنيهةً

ألم أخبرك بأن أخي ربما استشهد؟ ربما هو الآن أسير مهان مقهور مذلول، ربما تناوله في وجباتهم وربما أطعموه لأصدقائه ربما جعلوه رديئة لرصاصهم فأية بندقية لديهم تحرز فيه إصابات أعمق يا ترى؟

ربما دهسوا رأسه تحت أحذيتهم، أو جعلوا أطفالهم يجاهدون بذبح عنقه أم ربما هو الآن يحفر الأنفاق كشبح يأكل ما يجد في طريقه، ربما يجلدونه ربما يركلونه ربما يرسمون بسكاكينهم على جلده خريطة من إيمانهم وربما. وذنبه الوحيد هو الوطن.

ألم أخبرك أن صهري أفضل حالا من أخي؟ لأنه استشهد وبذات الذنب وترك أختي شهيدة على قيد الحياة

وأن أبي مات ضحية القهر فلقد استشهد بحزنه على وطن

قطع قطعا من روحه وقدمها له هنا وهناك حتى أصبحت القطعة المتبقبة له منها غير كافية لأي غبن أو كدر بل غير كافية لتبقى حية يوم آخر .وأن أمي وهي الأضعف على الإطلاق أبدا لم تغلب الحزن فهو يعشعش حتى في منافسها ورائحته عالقة على كل كلماتها وحتى ابتسامتها المتطفلة على ملامح متجمدة تجنزر فيها البؤس والشقاء ولكنها تسلحت بحدس الأمومة الذي جعلها تؤجل الموت حتى إشعار  آخر .ألم أخبرك أيضا أنك حتى أنت يا زوجي العزيز قد استشهدتَ مثلهم ؟وبذات التهمة الشريفة وهي الوطن، وها أنا أخبرك وها أنت تتصل مجددا ،الأن الأن أسمعك تتصل….

فلماذا تعيد سؤالك مجددا؟ لماذا تعجبك إثارة الأوجاع وفوضى السكينة؟ لماذا لا تدعني وشأني؟ لقد أرهقت الدموع بأم عيني حتى صرت أبكي من دونها، أبكي في وحدتي ومن دون وحدة، وأبكي في فراغي وفي انشغالي أبكي حتى من دون غضب من دون موت من دون فاجعة أبكي بدون سبب لكثرة الأسباب، أبكي لأني صرت البكاء ذاته

كثيرا ما تخبرني ضحكتي أنها تألمت بسبب البكاء الذي كان مصاحبا لها وحتى ابتسامتي تخبرني بأن عمرها أصبح قصير جدا، ما عادت شفاهي تروقها لأن البكاء أيضا الذي استوطن مكانها جعلها غريبة فيه وأبعاده ضيقة جدا عليها

أعرف حقا وألتمس لك ألف ألف عذر أيها العزيز أنك قلق وتريد أن تطمئن

فهلا لمست لي عذرا بأني إنسان أيضا يحتاج أن يعيش بلا بكاء لمرة واحدة، فالبكاء الذي تبكيه أرواحنا أشد قتلا من بكاء العيون

دع روحي لشأنها أيها العزيز وأعلمُ أنك لن تفعل، وحتى إن أنت تركتها فهي سوف لن تدعك وشأنك.

ولن تدعكم جميعكم وشأنكم رغم أنها لا ترتاح معكم ولا ترتاح معي فما الذي دهاها هذه الروح؟ كم ترجيتُها المغادرة لكنها أيضا لا تفعل. فهلا أخبرتني بدلا من سؤالك المعند هذا شيئا مفيدا كي أنهي حالة البكاء في روحي، مجرد الحياة للحظة وأنت تكابر على وجعك وتخفي شوقا وحنينا وتواكب حياتك لتنهي أعباءك فأنت بطل إلا أن بعض البطولة باتت ثقيلة على كاهل امرأة وحيدة في عصر النفاق .

_في كل مرة أخبرك ويعود هاتفك ليرن، في كل لحظة يرن حتى أني سئمت الهواتف ومن اخترع الهواتف.

أصبح رنينها ملازما لمسمعي، أصم عنه أذني لكن عبثا أفعل لأن صداه يكسر الصدغين في رأسي ليدوي مجددا

هذه الهواتف التي تذبحني، ألهذا اختُرعتْ؟

اخترعت لنذبح بها ما تبقى لنا من حياة؟

هواتف؟! وأية هواتف ؟! وعندما احتجت أن أستخدمه لم يلبيني، وذلك عندما اتصلت لأطمئن عليك يا زوجي العزيز

فلقد أخبروني أنك مصاب

اتصلت واتصلت واتصلت، ولم يقل هذا الهاتف حرام.

ولم يسمعني صوتك لحظة، فعاندته أكثر واتصلت مجددا واتصلت. حتى أصبح الوقت متأخرا جدا ومع ذلك لم يشفق علّي لم يرأف بحالي

فقط كنت أريد أن أطمئن أنك بخير وجرحك صغير ونزيفك ليس بالصعب، وبصراحة أكبر كنت أريد أن أقول لك ما قلته في نفسي لحظة سمعت بخبر مصابك وفرحت أجل فرحتٌ

لقد قلت الحمد لله أنك قد أصبت ْ

الآن بوسعك أن تأتي وتبقى لفترة أطول وتدخل المستشفى فلا تعود إلى حيث أنت، ستصبح قريب مني فأرتاح من الهم والقلق والخوف عليك اللذان يكلأن روحي وأنت بعيد في كل لحظة.لقد كنت أعيش موتك فأبكيك بحرقة قبل أن تموت، الآن أصبح لدي أمل أن تصبح قريبا وأرتاح أنا من عبء موت قبل أوانه. لكن للأسف هذا الهاتف لم يحن عليّ لم يشفق على يدي التي أنهكته وربما كان الله حينها يلبي دعوة أخريات غيري لذلك تأخر عن تلبية دعوتي بأن أحدثك لو ثانية. وأخيرا رن هاتفك مع إشراقة شمس صباح اليوم التالي، أجل لقد رن، سررتُ جدا حقا الأجهزة تحس بنا وهاتفي أحس بي إنه يرن، إنه دورك يا عزيزي أجبني هيا ..لما لا تفعل؟!

نرجس عمران

سورية

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

واحة الفكر Mêrga raman