الرئيسية / مقالات / مستقبل العلاقات العربية – التركية/ بقلم: محمد عبد العزيز منير

مستقبل العلاقات العربية – التركية/ بقلم: محمد عبد العزيز منير

 

 

 

 

 

 

 

 

مستقبل العلاقات العربية – التركية/ بقلم: محمد عبد العزيز منير

قبل نحو عقد ونصف العقد، تولى حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، وحاولت الحكومة التركية بذل ما في وسعها من أجل اتباع سياسة خارجية واقعية تتكامل فيها الروافد السياسية والاقتصادية والثقافية، ومن بين أهم المحددات التي انطلقت منها هذه السياسة تجاه العالم العربي الاعتماد على الميراث المشترك والتقارب الثقافي الذي جمع بين العرب وتركيا على مدى قرون عدة. وقد أحسنت تركيا استخدام هذا الميراث من أجل تطوير علاقات اقتصادية قوية مع معظم الدول العربية وأردفت هذه العلاقات بعدد ضخم من المسلسلات التي صنعت خصيصاً للعالم العربي، ونتج من ذلك انجذاب قطاعات عريضة من المستهلكين العرب للمنتجات التركية، وأصبح من المعتاد مشاهدة آلاف السائحين العرب وهم يجولون في المدن التركية بغرض السياحة والتسوق.

وقد أعلن القادة الأتراك في غير مناسبة عدم وجود أية تطلعات سياسية لتركيا في العالم العربي على اعتبار أن أنقرة كانت قد حسمت خياراتها بالفعل وقررت أن تكرس كل أدواتها للانضمام للاتحاد الأوروبي. كانت المحصلة إيجابية وبامتياز في صالح تركيا، فقد استقبل العالم العربي نحو ثلث الصادرات التركية الخارجية عام 2010، وارتفع حجم الاستثمارات العربية في البورصة وسوق العقارات التركية إلى مستويات غير مسبوقة. وعلى المستوى الثقافي تزايد الإقبال على دراسة اللغة التركية في العالم العربي، بل ونشطت أقسام التاريخ في الجامعات العربية في إعادة تقييم العلاقات التاريخية بين العرب وتركيا على نحو أكثر إيجابية من خلال التركيز على إيجابيات الوجود العثماني في المنطقة العربية، بعد أن ظلت الزاوية السلبية هي التي تسيطر على غالبية الكتابات العربية في هذا الخصوص.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: أين تقف تركيا من العالم العربي! لقد تحولت أنقرة إلى قوة ضاغطة على الجسد العربي سواء بالوجود الفعلي على الأرض العربية أو بالتدخل في الشؤون الداخلية للكثير من الدول العربية، وأصبح من المعتاد صدور تصريحات سلبية بشأن دول عربية بعينها لمجرد أن هذه الدول تختلف مع أنقرة في الرؤية السياسية.

الغريب أن محاولة أنقرة الظهور بمظهر المدافع عن الحق العربي والدولة التي تعرف مصلحة العرب أكثر من أنفسهم هو نمط كفيل بهدم ما تبقى من الصورة الإيجابية التي أنفقت أنقرة الكثير لتكوينها. في المقابل جاء رد الفعل الشعبي في العالم العربي متناسباً مع السلوك التركي، فانتشرت الدعوات إلى مقاطعة البضائع والدراما التركية، وامتنع كثير من القنوات الفضائية العربية عن بث المسلسلات التركية لا سيما بعدما تبين أن القيم التي تبثها بعض هذه المسلسلات لا تتناسب على الإطلاق مع القيم العربية، وظهر أن تأثير الإبهار المتعمد في صناعة هذه المسلسلات يتراجع بسبب التكرار أو بسبب المثالية الشديدة التى لا يمكن تصورها على أرض الواقع.

تحتاج تركيا الآن إلى وقفة مع النفس تعيد فيها حساباتها على أسس واقعية بعيداً من الفردانية والاستعلاء. إن مستقبل العلاقات العربية التركية يتوقف على قرار أنقرة إما بالعودة إلى المسار الطبيعى بعيداً من الضغوط والتصريحات السلبية ومحاولات التدخل في الشؤون الداخلية أو بالاستمرار في هذا المسار من دون طائل.

* كاتب مصري

نقلا عن الحياة

http://www.alhayat.com

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تخفي الهشاشة في زمن مغلق/ بقلم: مصطفى معروفي

شاعر من المغرب ـــــــــ صدِّقوا الطير إن هي مدت مراوحها في دم ...

رحل بيتر هيجز: الرجل الخجول الذي غير فهمنا للكون/بقلم جورجينا رانارد/ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

  اشتهر البروفيسور بيتر هيجز بهذا الشيء الغامض الملقب بـ “جسيم الإله” ...

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

واحة الفكر Mêrga raman