الرئيسية / آراء قكرية ونقدية / نص وقراءة…”الخيط الرفيع” للقاصة لمياء نويرة بوكيل/ بقلم: فتحية دبش

نص وقراءة…”الخيط الرفيع” للقاصة لمياء نويرة بوكيل/ بقلم: فتحية دبش

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نص وقراءة…”الخيط الرفيع” للقاصة لمياء نويرة بوكيل/ بقلم: فتحية دبش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص:

الخيط الرفيع

لأنهما لم يفرغا طيلة اليوم من جراء العمل، لم يتمكنا من الالتقاء إلا في ساعة متأخرة من الليل بالرُغم من عِظم المناسبة.

في جلسة حميمة بعيدة عن النوافذ والجدران المتلصصة والعيون، قدّم لها باقة عملاقة من أبهى الورود وقال:

– إليك، يا وردتي النادرة، ويا هديتي بعد انتظار سنين.

ثم أقبلا على تورتة عيدها فنفخا على شمعتها معا، وهالة من الحب والنشوة والفراشات الزرقاء تحوم حولهما وهما يخططان لأجمل الأيام … ثم أقبل على تلك الهدايا التي كانت تسترق النظر إليها بشوق وفضول وهي في صناديقها المغرية ذات الأشرطة المذهبة الشفافة، وشرع يقدمها الواحدة تلو الأخرى، وبهمس:

– هذه ساعة لا تليق إلا بمعصمك البِضّ المضيء، حتى تريْني في كلّ أوقاتك… وهذا إيشارب وطربوش وقفازات من صوف بألوان مبهجة تتحدى برد الشتاء. أحب أن يسري فيك دفئي كلما ارتديتها … وهذا الهاتف بشحنته ورصيده وكل تطبيقاته، بلمسة واحدة أكون أقرب إليك من حبل الوريد …وهذه (وكشف عن نظارات شمسية سوداء رفيعة) هذه كي لا يرى غيري جمال عينيك، فأنا أحبهما لي وحدي …

ثم أمسك بآخر صندوق وقال:

– افتحيه بنفسك غدا، ارتدي ما اخترته لك وأنت تستعدين للذهاب إلى العمل، أحبك فائقة الأناقة يا عزيزتي.

مدت يدها إلى الشاشة وتناولت كل هداياه الواحدة تلو الأخرى بمتعة كبيرة ورصفتها على منضدتها الملاصقة لسريرها ثم أغلقت نافذتها وفصلت وأطبقت حاسوبها وأطفأت نور الغرفة …

فوق مخدتها اشتعلت آلاف الأضواء ساطعة وردية وحملها نور قلبها إلى أحلامها التي ارتفعت بها هنااااك فوق أرق الغيمات ..

ولأنّ أحلامها كانت ثقيلة وعميقة وبعيدة، ما انتبهت أول ساعات الصباح إلى هاتفها الصغير وهو يلح في الرنين منبِّها.. نهضت عجلة وأسرعت إلى العلبة الكبيرة تفضها بلهفة تكتشف هديتها وتستعد لارتدائها، لكن سرعان مازال انبهارها باللون والتفصيلة لتحل بها الخيبة.. نظرت إلى المرآة ونزلت على خدها دمعتان حارقتان وهي تنظر إلى وزنها الزائد عن مقاسات الهدية .. تجرعت قهوتها دفعة واحدة ولم تجرؤِ على تناول قطعة صغيرة مما بقي من تورتة البارحة.. سوف تقتل نفسها حتى تكتسب خصرا يليق بذلك الفستان الجميل .. هكذا كانت تحدث نفسها حين خرجت تلاحق الأوتوبيسات والركوبات العامة..

لمياء نويرة بوكيل

 

—————– القراءة للأستاذة فتحية دبش———–

سيكولوجية الحب…

من هذا الباب أحب أن أقرأ نصك عزيزتي لمياء…

(الخيط الرفيع) عنوان يكشف عن رقة ودقة من الناحيتين الجمالية والمعنوية.

الخيط ويراد به الرتق أو الربط، واصلٌ بين معنيين وأكثر

الرفيع، صفة للخيط، بمعنييه الاصطلاحي والدلالي حيث يعبر عن شدة رهافته.

ولكن هل هي رهافة مادية بحيث تجعله ضعيفا قابلا للتقطع أم هي قيمة معنوية بحيث تجعله سميكا على رقته؟

النص يعالج العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة بين الواقع والمتخيل.

كتب بلغة بسيطة حد البلاغة، إذ لم تثقل الكاتبة عليه بالمجازات الفجة والألفاظ المسمومة بما وراء الفكرة. افتتحته بالتعليل (لأنهما).. تعليل لا يهتم بالسبب والنتيجة بقدر ما يهتم بالانتقال بالحدث من ال ما قبل إلى ال ما بعد…

يفترض القارئ أنهما كانا يلتقيان كثيرا وأصبحا يلتقيان بصفة أقل.

واللقاء كحدث مادي متكرر يعود إلى رغبة نفسية في التواصل والاتصال تشبع الضيق والفقد الذي يشعر به المحب تجاه حبيبه.

زمن اللقاء حددته الكاتبة ب (ساعة متأخرة من الليل)، زمن ارتبط في المخيلة العامة بزمن الاتصال بالحميمي والانفصال عن الموضوعي، زمن سيكولوجي (الخلوة بالحبيب)

في النص مخاتلة (النوافذ والجدران) إذ انزاح المعنى للفظتين منذ اقتحام العالم الأزرق بجدرانه ونوافذه عالم الإنسان الشرقي خصوصا فصار يُعاش كواقع بديل فيه الحب لا قيد له، لا عمر له، لا مراسم له … غير أن الكاتبة تصور بذلك نوعا من التوق إلى ملامح حميمية جديدة للعلاقة الزوجية/علاقة الحب وذلك بجعلها مثالية (الورد/الكلام الرقيق/الهدايا) ذلك أن الواقع كثيرا ما يكذّب تطلعات الأنثى في عيدها الذي غالبا يُنسى، وتطلعات الرجل في تلك التي تستحق الاحتفاء.

يمضي بنا النص رقيقا، رومنسيا، ينهل من المشاعر ما طاب له. يصور لنا الرجل في برقة مشاعره واهتمامه بحبيبته والأنثى المتلهفة على الهدايا من حيث القيمة المادية (كثيرا ما نربط قيمة الهدية بثمنها) والنفسية، وعقلية التباهي (غدا ارتدي ما اختلاته لك وأنت تستعدين للذهاب إلى العمل) والغيرة (كي لا يرى غيري جمال عينيك) …

كائنان مكتملان بالحب، ويصورانه تماما عكس الواقع حيث المشادات على قيمة الهدية وعدد الهدايا، وحيث الارتباط قضية مادية قبل كل شيء نظرا لحالة العجز التي عليها شبابنا.

تأتي القفلة لتكسر أفق القارئ…

نتوقع أن الحبيب قد قرر النهاية، لكن الكاتبة تصرح بغير ذلك. لم يغادرها حبيبها ولكن الهاتف الذي كان كبيرا صار صغيرا، والفستان ضيقا والألوان باهتة والحقيقة الوحيدة هي الأتوبيسات والخصر الغليظ والحبيب الغائب، تماما كما يضيق الواقع على أحلام اليقظة.

رسمت الكاتبة شخوصها بضبابية، ليس هناك وصف مادي ولا أسماء أو إشارات تحدد انتماء اجتماعيا معينا، عدا في النهاية عندما تطل البطلة بخصر سميك وشقاء مادي ومعنوي. وهذه الضبابية ليست عبثا، ذلك أن النص كمرآة عاكسة لواقع المرأة، فهي التي غالبا ما كان أقصى حلمها (رجل) وغالبا ما رأت نفسها فاتنة من فاتنات الشاشة، وفصلت أحلاما لا حصر لألوانها قبل أن يرن المنبه ويعيدها من سابع سماء إلى سابع أرض. وهذا هو الخيط الرفيع الذي حول الذات/أنثى/ذكر إلى بهلواني….

الخيط الرفيع ما هو إلا ذلك الخيط الفاصل بين الإصبع وشاشة الهاتف، بين الحلم واليقظة، بين السيكولوجي والفيزيولوجي بين الصورة والواقع.

 

كعادتك دائما عزيزتي لمياء تتحفنا نصوصك بسحر الواقعية….

 

فتحية دبش

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman