الرئيسية / قصة / نور القلوب…/ بقلم: آمنة بريري

نور القلوب…/ بقلم: آمنة بريري

نور القلوب…/ بقلم: آمنة بريري

………………..

خرجت نور القلوب من بيتها وهي منقبضة النفس وتشعر بحزن شديد. كان الوقت صباحا والساعة قد تجاوزت العاشرة ببعض الدقائق، ورغم جمال الجوّ وإشراق الدنيا بفضل توهّج الشمس في تألّق وبهاء فإنّ نفسها ظلّت كئيبة تحوّم فوقها غيوم قاتمة من الإحباط واليأس.

 

كانت تفكّر في نفسها أنّها امرأة تعيسة الحظّ وقليلة البخت .لقد قست عليها الدنيا كثيرا وسلّطت عليها نكبات حوّلت حياتها إلى مأساة مريرة .فقد مات زوجها الذي اقترنت به إثر قصّة حبّ كبيرة بعد زواج لم يدم إلّا خمس سنوات .ويا لها من فاجعة .لقد تدمّرت كلّيا بعد تلك النكبة إذ كان حبّها له شديدا ومتوغّلا في أعماق روحها ولم تستطع أن تتقبّل فكرة فراقه الأبديّ لها .فاسودّت الدنيا في عينيها وخلت أيّامها من حلاوة العيش ولذّة الوجود .وقد أنجبت منه صبيّا وبنتا تحمّلت تكاليف تربيتهما بعد رحيله وحدها .وأملت أن يخفّف وجودهما من لوعة حرمانها منه وأن ترى في وجهيهما  صورته التي حُرمت من النظر إليها لكنّها أدركت بعد ذلك أنّ مكانه الخاصّ لا يمكن أن يملأه أحد غيره حتّى طفلاها الحبيبان الذين هما قطعة منه.

 

وسارت في طرقات مدينتها العصريّة الفسيحة غير معنيّة بأيّ شكل من أشكال الجمال الذي يميّزها مرهقة بما يحمله قلبها من يأس ومرارة .وأخذت تسأل نفسها في قنوط : ما فائدة عمري بعد أن فقدت زوجي ؟وأيّ سعادة أرتجيها من الأيّام وتجعلني راغبة في مواصلة العيش ؟لقد أصبحت الدنيا بالنسبة لي سجنا أحكمت عليّ منافذه فاختنقت فيه أنفاسي واسودّت حياتي .لا أمل لي في أيّ شيء يحمله المستقبل ما دام لن يعطيني الفرحة الوحيدة التي ستجعل وجودي سعيدا .لم يعد لأيّ شيء في الوجود طعم ولا نكهة ولا شيء إلّا السأم واليأس يسيطران على روحي ويبغّضان كلّ الأمور إلى قلبي .

 

واستمرّت تمشي في خطوات وئيدة وهي تنظر حولها نظرات غير مبالية وشعورها باليأس والإحباط يزداد ويتعاظم.

 

لكنّها لمحت فجأة ما جعل شعورا من البهجة يقتحم نفسها. لقد رأت ماجدة صديقتها العزيزة ورفيقة طفولتها تمشي في مقابلتها قادمة باتّجاهها. وهي تحبّ صديقتها ماجدة أشدّ الحبّ ولها في قلبها مكانة كبيرة رغم أنّ لقاءها بها بات في السنوات الأخيرة نادرا بسبب سفر ماجدة إلى مدينة أخرى للعمل وعدم عودتها إلى مسقط رأسها إلّا في العطل.

 

حثّت خطواتها نحو ماجدة وكانت هي بدورها قد رأتها فأسرعت نحوها. وتبادلتا التحيّة والقبل بحرارة وعلت ضحكاتهما المستبشرة وأصواتهما المتحمّسة.

 

وسألت نور القلوب صديقتها ماجدة عن آخر أخبارها وعن الجديد في حياتها فقالت ماجدة في هدوء:

 

ـ لا جديد يذكر. أنا كما تركتني مستغرقة العمل صباحا مساء ولا شيء يشغلني غير ذلك.

 

نظرت نور القلوب إلى ماجدة مستغرقة في التفكير بعد أن سمعت منها هذا الكلام. إنّ ماجدة لا تصغرها إلّا بسنة واحدة وهي مثلها على مشارف الأربعين، لكنّ الفرق بينهما هو أنّ ماجدة لم تتزوّج إلى حدّ الآن. وتأمّلت وجهها المرهق وابتسامتها التي تخفي وراءها شجنا مريرا. لا شكّ أنّ تأخّر زواجها وتجرّعها لمرارة الوحدة والحرمان من وجود شريك الحياة أذاقها من العذاب أشدّ الدرجات. لكن هاهي تقف متماسكة وثابتة ولا شيء يشي بمعاناتها غير لمحة من الحزن الخفيّ تقبع في أعماق نظراتها.

 

أحسّت نور القلوب فجأة بشعور غريب ومميّز. لقد رأت في ماجدة في تلك اللحظة سندا يمنحها قوّة وثباتا، فهذه الصديقة العزيزة والقريبة إلى قلبها إلى حدّ كبير قد منحتها بظهورها المفاجئ أمامها إحساسا بالشراكة والتضامن. إنّ كلتيهما تستقي من نفس نبع الحزن والخيبة وهما شريكتا حرمان ورفيقتا حسرة.

 

وقد أحسّت عند ورود هذه الفكرة في ذهنها بدفعة مفاجئة من القوّة، فها هي ماجدة مثلها امرأة قضى عليها الله أن تعيش حياة الحرمان المرير ولا شكّ أنّه يخبّئ لها أجرا كبيرا جزاء صبرها وتحمّلها لكبد الدهر. فهل تكون هي أقلّ منها صبرا ورضا بأقدار الخالق؟ لا شكّ أنّ أمر الله خير كلّه، وها هي صديقتها الحبيبة شريكة لها في هذا الكرب المضنى. ألا يعدّ ذلك إشارة من الله يحثّها على أن تتصبّر عن بلائها وقد عرفت أنّ إنسانا عزيزا على قلبها يكابد مثله؟

 

أحسّت بدفقة من الارتياح والسكينة تغشى قلبها، وفي قرارة نفسها شعرت أنّ لقاءها بماجدة تدبير من الله من أجل أن يخفّف من لوعتها ويفرغ على قلبها صبرا يعينها على قطع الأشواط المقبلة في حياتها.

 

شدّت على كفّي صديقتها بمودّة وعطف بالغ قائلة:

 

ـ الحمد لله على كلّ حال عزيزتي، فأمره خير كلّه. هيّا نتناول أكلة خفيفة ونستمتع بوقت رائق ننسى فيه هموم الدنيا وأوجاعها.

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman