الرئيسية / قصة / هبوب الروح / بقلم: ثناء درويش

هبوب الروح / بقلم: ثناء درويش

هبوب الروح / بقلم: ثناء درويش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أخيرًا، رأت روايتي النور، وكنت قد استودعت مسودّات ورقها درج مكتبي لسنين طويلة.

كنت أخرجها من حين لآخر من عتمتها وأجري تعديلات على فصولها وشخوصها وفقاً لتغيرات المرحلة وانقلاباتي الفكرية والنفسية، ثم أعيدها للدرج دون أن أفكر لحظة بالترويج لها عبر النشر، فالرواية كانت أنا بكل تفاصيلها، ولا أجد ميلاً لأن أكون يوماً على مشرحة النقد أو ملهاة الاستهتار أو حتى مسرح التصفيق.

ثم لا أدري كيف طاوعت أخيراً صديقي وقلت له: أفعل بها ما تشاء ما دمت لم تزل مؤمناً بي وبدور الأدب في التغيير، فلا أظنني سأضيف عليها بعد اليوم حرفاً.

وضعتها في ظرف بعد أن كتبت بقلم رصاص على المغلف “هبوب الريح”

أمسك صديقي ممحاة وبدّل كلمة الريح بالروح وتبادلنا النظر للحظة، هو بعينيه المشرقتين وأنا بغياب عيني.

لم يخبرني صديقي كم دار نشر رفضتها إلا بعد أن نشرها على حسابه الخاص في دولة عربية شقيقة، فزادني الأمر بؤساً وإفلاساً معنوياً.

كرّر صديقي محبته التي لم ألق حتى اللحظة مثلها: “لا تشغل بالك بأمور التوزيع، سأتكفل أنا بإيداع النسخ في مكتبات البلد وسأطلب من أصدقائي الكتابة عنها، لضمان الاهتمام بهذه التحفة الإنسانية الرائعة”.

المحبة حجاب بقدر ما هي بصيرة.

ومحبة صديقي وإيمانه بي حجبا عنه واقع الحال وما آل إليه الأدب.

كان لا يزال يحيا في ستينات القرن المنصرم ورواياته العالمية الخالدة.

كأنه لم ير أن الأدب صار ترفاً ومحسوبيات ونفساً قصيراً.

ولا رأى كيف الحضارة ارتفعت على حساب الكلمة والإحساس بها، وأنها كغول التهمت القيمة المعنوية لصالح القيمة المادية.

تأملت من جديد غلاف الرواية وأعجبت جداً بالفنان الذي أبدع بتجسيد فكرة العنوان.

“هبوب الروح” والروح يد سماوية علوية، تمسك خيطان مسرح العرائس.

تزجي السحاب.. ثم تمطر وتغرق  .. تمنح وتمنع  .. تكسر وتجبر  .. تقطف وتخطف.

تسلّيت بكتابة إهداءات على الصفحة الأولى لعدد من النسخ لبعض معارفي وأقاربي وتفنّنت بإعطاء خصوصية في كل إهداء بما يليق بمكانة المهدى إليه عندي وانتظرت.

 

طال انتظاري طويلاً .. طويلاً جداً .. حتى بعد رحيل صديقي وتوأم روحي.

وما خطر ببالي أبداً أن حياتي وأنا في أرزل العمر، تصبح مسلسلاً تلفزيونياً بعنوان آخر لكاتب آخر، وتحصد أكبر نسبة مشاهدة في ماراثون التنافس.

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman