الرئيسية / مقالات / الأدباء المنسيون في كوردستان / بقلم: سردار علي سنجاري

الأدباء المنسيون في كوردستان / بقلم: سردار علي سنجاري

الأدباء المنسيون في كوردستان

بقلم: سردار علي سنجاري

ــــــــــــــــــــــــ

إذا كان جسد الإنسان يحتاج إلى عوامل للبقاء والاستمرارية فان الأوطان كالأجساد تحتاج إلى عوامل للبقاء والاستمرارية. وإذا ما تعمقنا في جوهر تلك العوامل لوجدنا أهمها الثقافة والعلوم والآداب التي بها شيدت دول وحضارات واستمرت بشموخ ووصلت إلى اعلى المستويات الإنسانية والحضارية والتاريخية.

نحن الكورد وبالأخص في إقليم كوردستان العراق الذي يحاول الوصول إلى مستحقاته النضالية والثورية والذي يسعى في تتويج تلك التضحيات باستقلال ذاتي ضمن كونفدرالية عراقية يكون سندا لباقي الأقاليم مستقبلا علينا أعباء مضاعفة عن الآخرين لحساسية القضية الكردية محليا ودوليا وكذلك لتطلعات الشعب الكردي المحقة في الاستقلال. وعليه ومن خلال تلك الرؤى فان الأمر يتعلق في أن نبحث بجدية خارج أي مفردات تعبويه لإثارة النعرات القومية أو المزايدات التي يمكن أن تكون أكثر وضوحا للبعض في محاولة إبقاء الإقليم ضمن دائرة مغلقة تخدم مصالح البعض وتتغافل وتتغاضى عن المصلحة العامة للشعب وعلاقاته المحلية والإقليمية.

أن الظروف التاريخية التي مرت على شعبنا الكردي في الأعوام المائة الأخيرة والتي كانت نتاج مؤامرة دولية تكللت باتفاقية سايكس بيكو ، والتي قسمت وطنه كوردستان بين اربع كيانات دولية وثلاث لغات  مختلفة عن اللغة الكردية واستخدام العنف المفرط من قبل تلك الدول لإزالة ثقافة الكرد وإنهاء تجربتهم الحضارية ناهيك عن محاولة طمس الثقافة الكردية عمدا في تلك البلدان  وعمليات الترحيل والتهجير القسري والتعريب مما جعل الكثير من المثقفين الكرد مع مرور الزمن ينصهرون مع الثقافات الجديدة المحلية ويبتعدون  عن لغتهم الأم الكردية خارج عن إرادتهم ورغبتهم.

من اجل أن نكون إقليما مميزا وعادلا وحرا عليه يجب التعامل مع كافة الأقليات التي تعيش على ارض كوردستان بالمساواة والعدالة. فكما أن العراق وباقي الأوطان العربية ليست حصرا على العرب وحدهم، فهناك العديد من الشركاء التاريخيين الذين يعتبرون ارض كوردستان هي موطنهم ومكان انبثاق حضارتهم كالسريان والأشوريين والكلدانيين وعليه تحقيق المساواة امر يجب أخذه بعين الاعتبار من الناحية الثقافية ولا يجوز احتكار لغة ما وفرضها على باقي الأقليات أو المكونات وهذا منافي لمواثيق حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة.

الثقافة هي سلاح العقلاء وهو أكثر فعالية من أي سلاح وجد لدمار الإنسانية والبشرية، فالإنسان الذي يحمل وعيا ثقافيا ويملك المعرفة ويتمتع بمواصفات وطنية يستطيع من خلال أفكاره وأطروحته وآرائه التأثير الإيجابي على المحيط المجاور والطرف الآخر الذي هو على خلاف أو عدم توافق معه وبه يستطيع إعمار الإنسان الذي هو اهم من إعمار الأوطان وتجنيب كافة الأطراف المأساة والمعاناة.

أن الكرد أصحاب قضية دولية وإقليمية ولا تختصر رسالتهم على توعية شعبهم بقضيتهم العادلة فقط بل أن من مهام المثقفين الكرد هو إيصال رسالتهم الإنسانية وحقوقهم المشروعة إلى العالم ومنهم تلك الشعوب التي تتقاسم أجزاء من وطنهم الأم كوردستان.

أن الأدباء في إقليم كوردستان اليوم منقسمون إلى فئتين فئة ناطقة باللغتين الكردية والعربية ولهم الحقوق والامتيازات وفئة تفتقد الكتابة باللغة الكردية وسميت (الأدباء الكرد الناطقين باللغة العربية) وهذا الانقسام أدى إلى إيجاد فجوات واضحة بين الفئتين وكان سببا في هجرة العديد من الأدباء الكرد الناطقين باللغة العربية إلى خارج الإقليم.  كان يجب أن تقوم حكومة إقليم كوردستان واتحاد أدباء كوردستان في استيعاب القدرات الثقافية الهائلة لأدباء والباحثين والمثقفين الكرد الناطقين باللغة العربية والاهتمام بهم ورعايتهم وتوفير كل السبل الممكنة لتشجيعهم على إيصال حقيقةً مطالب الكرد المشروعة للشعوب الأخرى وبالأخص الشعب العربي الذي يفتقد الكثير منهم حقيقة الكرد وتاريخهم ونضالهم. ولكن للأسف لم يتم الاهتمام بهذه الشريحة الهامة والفعالة والتي عان الكثير منهم معاناة حقيقية في ظل الأنظمة السوفيتية التي فرضت عليهم البنود والشروط القاسية في أزاحتهم فكريا وأيديولوجيا عن تاريخ وثقافة ونضال  امتهم الكردية ولكنهم رغم كل تلك المعاناة كانوا الكلمة الحرة التي آبت ألا أن تكون حاضرة في ترسيخ قيم وحضارة الكرد حتى في زمن اعتى الأنظمة ديكتاتورية المعاصرة  حيث شهد التاريخ الكردي المعاصر رجال أدب وثقافة وسياسة الكورد الناطقين باللغة العربية مورس في حقهم اشد أنواع التعذيب للنيل من إرادتهم وطموحهم ووصل إلى  حد الإبادة الجسدية ، ولكنهم رغم كل تلك المعاناة  كانوا صامدين ومنهم  الشهيد الخالد الأستاذ المناضل صالح اليوسفي والشهيد الخالد المناضل الأستاذ دارا توفيق هؤلاء لولا ثقافتهم العربية وتمكنهم من اللغة العربية وتأثيرهم على المجتمع العراقي من خلال مقالاتهم ومنشوراتهم الأدبية  وحوارهم مع المثقفين والسياسيين  العرب ما عرف الكثير من الأخوة العراقيين العرب عن الكرد وقضيتهم العادلة الكثير .

واليوم هناك العديد من الأدباء والشعراء والباحثين الكرد الذين كان لهم دور كبير في نقل الصورة الحقيقية لمعاناة الكرد الإنسانية للشعوب العربية واستطاعوا من خلال تمكنهم من اللغة العربية أن ينقلوا الصورة الحقيقية لمعاناة الكرد إلى العالم العربي وقد كانت رواية الإرهاب ودمار الحدباء للأديب والشاعر الكردي عصمت شاهين دوسكي الذي نقل من خلالها للعالم المشاهد العينية للإرهاب الذي مورس بحق أهالي مدينة الموصل العراقية من قبل داعش الإرهابية. الأديب الذي وثق تاريخ مدينة عريقة بحضارتها وثقافتها اليوم منسي على أرضه وبين أبناء جلدته. كذلك ساهم العديد من الأدباء الكرد المعاصرين في إغناء الثقافة العربية بالكثير من الأدب والشعر الذي يحاكي واقع الكرد وتاريخه وحضارته وثقافته ويكونوا من بين الأدباء الأكثر تميزا وإبداعا في الأوطان العربية ومازال الأديب الأستاذ وليد مصطفى الدوسكي في دهوك والأديب القدير الأستاذ احمد لفته علي في بغداد وغيرهم من الأدباء الكرد الناطقين باللغة العربية يناضلون بكتاباتهم وبحوثهم وأدبهم لإيصال معاناة الأمة الكردية وثقافتها ونضالها إلى الشعوب العربية. وقد تم تكريم العديد من هؤلاء المبدعين الكرد بالكثير من الألقاب ومراتب الشرف العليا ومنحهم حتى بطاقات عضوية في الكثير من الاتحادات الأدبية والثقافية في الأقطار العربية في الوقت الذي يفتقدون الاعتراف الرسمي بهم في إقليمهم. انهم منسيون في إقليم كوردستان يعانون التفرقة إلى حد العنصرية في كثير من الأحيان واللامبالاة مما ضيق على البعض حتى البحث عن لقمة عيش لتوفير حياة كريمة له ولعائلته. أن إهمال هذه الشريحة الهامة يدل على أننا نسير في الاتجاه الخطأ في بناء الدولة والإقليم الذي يبنى على أساس المساواة والعدالة والأنصاف لجميع مواطنيه سواء الناطقين باللغة العربية أو السريانية أو الأشورية أو التركمانية. أن إقليم كوردستان الواعد بازدهاره المعماري لا يكتمل ألا بازدهاره الثقافي وتطوره العلمي، وتقبله التنوع الذي هو أحد اهم ميزاته والذي أصبح مكان احترام العالم لدوره في تقبل واحترام الآخر باختلاف عرقه أو دينه أو طائفته.

اليوم يتطلع كل فرد على ارض كوردستان  باختلاف خلفياته العرقية والدينية في أن يكون له دورا إيجابيا  في بناء هذا الإقليم الواعد وان يكون عاملا في ازدهاره وتقدمه وفي مقدمتهم هؤلاء الأدباء والمثقفين الكرد الناطقين باللغة العربية حيث يشعرون بان دورهم اصبح هامشيا وغير هام  ،  بعدما تم فرض القيود عليهم وأدراج بنود تقيد حركتهم الثقافية ومنها عدم منحهم العضوية في اتحاد أدباء كوردستان ألا أن يكون لديهم ثلاث مؤلفات باللغة الكردية وهذا الشرط يعني الحكم بإعدام الأديب الكردي الناطق باللغة العربية ثقافيا واجتماعيا .

لقد بدا بعض الأدباء الكرد الناطقين باللغة العربية في البحث عن منافذ خارجية لهم لممارسة حقهم الثقافي والإبداعي وإغناء ثقافات أخرى مما يتناسب والظروف المتاحة لهم في تلك الدول وقد كان للأديب الكردي وسندباد الكرد الأستاذ بدل رفوا تجربة ناجحة في الغرب حيث تم توفير كل الأليات المطلوبة لممارسة إبداعاته الفكرية والأدبية وتكريمه من العديد المؤسسات الثقافية الأوروبية والعربية بينما عانى الإهمال في موطنه الأصلي. وهناك العديد من الأدباء المبدعين الذين إذا سنحت لهم الفرصة في مغادرة الإقليم لن يترددوا لحظة تاركين خلفهم الآلام والمعاناة والإهمال الذي مورس بحقهم لمجرد انهم ناطقين باللغة العربية التي فرضت عليهم جراء الأحداث السياسية التي المت بالشعب الكردي وكذلك إرضاء لبعض المسؤولين المتملقين الذين أوصلوا الإقليم إلى درب مغلق وضعوا بين الإقليم وشعبه وباقي الشعوب حواجز من القرارات السلبية والتفرقة يصعب أزاحتها ألا باتخاذ الإجراءات الحاسمة والجدية من قبل السلطات السياسية العليا في الإقليم.

أن الدول التي لا تعطي لأدباءها وشعراءها ومثقفيها والعاملين في السلك التعليمي مكانة تليق بهم وبمؤهلاتهم وقدراتهم الفكرية تعتبر دولة فاشلة بكل المقاييس ولا يمكن أن تبنى الدول ألا بمثقفيها وعلمائها وأدباءها ومعلميها. عليه على حكومة إقليم كوردستان أن تعيد النظر بهؤلاء الأدباء المنسيين وان يتم التعامل معهم على مستوى أفكارهم ورؤيتهم وثقافتهم وليس على مستوى لغتهم أو قدراتهم الكتابية في لغات غير اللغة الكردية.

عن Xalid Derik

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القيم الاجتماعية في عشيق الليدي تشاترلي للكاتب دي اتش لورنس/ محمد عبد الكريم يوسف

في رواية دي إتش لورانس المثيرة للجدل، عشيق الليدي تشاترلي، يلعب موضوع ...

آهٍ إن قلت آها / بقلم: عصمت دوسكي

آه إن قلت آها لا أدري كيف أرى مداها ؟ غابت في ...

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

واحة الفكر Mêrga raman