الرئيسية / قصة / عاشق الحجول / بقلم: سالم الياس مدالو

عاشق الحجول / بقلم: سالم الياس مدالو

عاشق الحجول

-قصة قصيرة

بقلم: سالم الياس مدالو

ــــــــــــــــ

هكذا ولدت يا يونس أعرجاً، قالها يونس ومن ثم جلس على حافة سريره شارد الذهن وأفكار شتى في مخيلته محيلة أعصابه إلى كتلة من النار ملتهبة نهض متجهاً شطر نافذة غرفته كانت الريح تصفر في الخارج أخذ نفسًا عميقًا ومن ثم عاد واستلقى على سريره. كانت أُمه الخالة حسينة جالسة قبالته ومغزلها بين يديها تبدو متعبة وحزينة حزن سنوات عمرها الحزينة

متفكرة بصغيرها الذي مات بالحصبة ولم يبق لها سوى ولدها الأعرج يونس قالت في سرها: لم تكن إلا مشيئتك يارب وغيوم سود تعلو مقلتيها نام يونس تلك الليلة وحلم احلامًا مزعجة رأى نفسه على حافة بئر لا قرار لها يركض حافياً ورجال حاملين مدي يلاحقونه وصوته يرتد اليه ضعيفًا واهنًا.

2 –

 

عند الصباح بانت الشمس من وراء الأُفق مثل كرة ملتهبة تلقي بشعاعها على قمم الجبال وسفوحها وعلى الوديان والحقول أفاق يونس من نومه ارتدى بنطاله المهترئ متأبطا صرة ملأى بالخبز والجبن ساق يونس نعاجه شطر واد خصيب حيث العشب والماء. أطلق صفيرًا مهلهلاً سالكًا طريق الوادي هناك جلس على صخرة كبيرة مسننة اعتاد الجلوس عليها شارد الذهن ونعاجه تلتهم العشب وترتوي من ماء الينبوع ومن ثم نهض وسار صوب السفح باحثًا عن صغار الحجول عثر يونس على عش حجل ها قال يونس فرحا ثلاث بيضات وثلاثة فراخ حاول الإمساك بها لكنها نطت بصورة مذهلة مختبئة بين  الأعشاب والحجارة المتناثرة هنا وهناك فتش يونس عنها حد التعب ولكن دونما جدوى وضع يونس بيضات الحجل في كيس  وقفل عائدًا إلى بيته، وضع البضات الثلاث تحت دجاجة من دجاجاته ففقست عن فراخ صغيرة جميلة فرح يونس بها فرحا كبيراً كفرح طفل بدميته أطعمها الحشرات وسقاها الماء إلى أن كبرت ونما لها ريش وأجنحة كان يونس يأمل بتدجينها لكن ذات صباح طارت الفراخ الثلاثة صوب الجبل ولم تعد اليه البته حينذاك حزن يونس وكسا وجهه الوجوم تذكر ما كان يقوله له جده قبل مماته لا تتعب نفسك ياولدي فمن الصعب جدًا تتدجين صغار الحجول.

 

3 –

 

كان يونس بارعًا في تقليد صفير ذكور الحجول وإناثها

 

طو طو طو طو – جو جو جو

 

فتذكر يونس أيام مرافقته لجده وهو ذاهب لصيد الحجول في أيام الشتاء الباردة حيث الثلج يتساقط بغزارة كان الجد ينصب فخاخه بعدما يغطي طبقات الثلج بطبقة من التبن المخلوط بحبات الشعير مختبئا خلف صخرة مدخنا غليونه بانتشاء يرقب اسراب الحجول وهي تحط بالقرب من فخاخه مطلقة صفيرها المعهود – طو طو جو جو فمنذ ذلك الوقت أحب يونس الحجول حبا جما.

 

4 –

 

حاولت أم يونس الخالة حسينة جهد مقدرتها إقناع يونس للذهاب إلى المدرسة فلم تفلح وفي كل صباح كان يونس يحمل كتبه مغادراً لكنه لم يكن ليذهب إلى المدرسة بل كان يسلك طريق الجبل حيث الخضرة والطيور قاضيًا نهاره في البحث عن أعشاش الطيور واللحاق بصغار الحجول لاصطيادها حتى أن اقرانه كانوا يظنون بانه يفهم لغة الطيور فيحاكيها وذات صباح قال يونس لامه علانية أنه لا يرغب بالذهاب إلى المدرسة.

 

5 –

 

كبر يونس وكان كل صباح يسوق نعاجه إلى المرعى عند سفح الجبل جالساً عل صخرته المفضلة عازفاً على نايه انغاماً حزينة وهو يرعى نعاجه كانت به رغبة عارمة أن يصطاد حجلاً وقرب شجرة بلوط شائخة مد يونس يده في عش حجل فصرخ صراخاً مراً قاسيًا فهم راكضًا باتجاه بيته كانت أُمه  جالسة أمام منزلها ومغزلها بين يديها وما أن سمعت صراح ابنها يونس استوت واقفة قائلة هدأ هدأ من روعك يابني ما بك أجابها يونس بشفتين مرتجفتين مشيراًلى موضع الجرح وأردف اسرعي اسرعي  يا أُمي وناد على جارنا العم يوسف إنها لدغة أفعى هرولت أُم يونس مسرعة فجاء العم يوسف مسرعًا وشرع يصفد الدم من كف يونس بشفرة فسال الدم احمراً قانيا ومن ثم وضع على الجرح شيئا ما يشبه  العجين في تلك اللحظة اعترت جسد يونس رعشة وحمى القته طريح الفراش وهكذا مات يونس الأعرج أما أنا فنمت تلك الليلة حزيناً  ومقلتاي مسكونتان بالحزن والكآبة.

عن Xalid Derik

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الكتابُ … / بقلم: أحمد بريري

  الكتابُ خيْرُ صحْبي فيهِ تلقَى المعْلوماتِ منْ علومٍ وقرِيضٍ وتاريخِ الموجوداتِ ...

أحلم بعيون ذكية / بقلم: سامح أدور سعدالله

أحلم بعيون ذكية أتغمض عيناي الغبية  ذكائي؟ تلك هي المعادلة التي تحتاج ...

قصيدة”سكارى بالكرة” للشاعر مصطفى معروفي/ بقلم: عبد الرحمن منصور

1ـ القصيدة: سكارى بالكرة شعر:مصطفى معروفي نظـلُّ بهـا علـى وهْــمٍ سـكـارى***و قد ...

الفصام / بقلم: عــبــدالناصر  عــلــيوي الــعــبيدي

  ———- الــصدقُ فــي الإنــسانِ خيرُ فضيلةٍ فــــعــلامَ تــكــذبُ أيــهــا الــكــذابُ – ...

أشياؤها الخمس / بقلم: فراس حج محمد

  [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]   أشياؤها الخمسُ التي ...

الأخلاق في رواية عشيق السيدة تشاترلي للكاتب دي إتش لورانس / بقلم:محمد عبد الكريم يوسف

  أثارت رواية دي إتش لورانس “عشيق السيدة تشاتيرلي” الجدل والنقاش منذ ...

السياسة في أنتوني وكليوباترا / بقلم: محمد عبد الكريم يوسف

    في مسرحية ويليام شكسبير “أنتوني وكليوباترا”، تلعب السياسة دورا مركزيا ...

نزل المطر/ بقلم: آمنة بريري

نزل المطر   فاصطبغ الكون بالصفاء والسموّ   وسرت نسمات شذيّة تلامس ...

واحة الفكر Mêrga raman